يشير مصطلح السيولة بشكل عام إلى “السهولة”، أي بتعبير آخر إن السيولة في سوق الفوركس أو سوق تبادل العملات الأجنبية هي مدى التكلفة والسرعة التي يتمكن من خلالها المتداول بيع أو شراء أصل ما على اختلاف نوعه، بكفاءة ودون وجود تأثير كبير على السعر، مع القدرة على تحويل هذا الأصل إلى نقد.
ولعل سمة السيولة هي الميزة المسيطرة والعنصر المتحكم بقوة على سوق الفوركس، مع وجود تريليونات الدولارات المتداولة من مختلف العملات بشكل يومي. وانطلاقًا من هذه النقطة ومن طبيعة الفوركس وعدد المشاركين وحجم المزودين به، نتعمق في مقالنا لليوم بمفهوم السيولة في الفوركس، وأهميتها وكيفية حسابها.
السيولة في سوق الفوركس
السيولة Liquidity في سوق الفوركس هي القدرة على بيع أو شراء زوج عملات ضمن الفوركس بتأثير قليل جدًا على السعر، وبسهولة وكفاءة عالية. أي بمعنى آخر تدل السيولة على إتاحة العرض والطلب بسهولة لأزواج العملات.
تعتبر الأسواق ذات السيولة العالية هي الأكثر فعالية بالنسبة للمتداولين، نتيجة السرعة والسلاسة في تنفيذ الأوامر وبأسعار قريبة جدًا من القيمة السوقية.
وهو الأمر الذي يوفر انزلاق أدنى، بالإضافة لنطاق انتشار منخفض. وعلى العكس من ذلك، في حال عانى السوق من سيولة منخفضة فإن ذلك يعني المزيد من الأوامر المعلقة الطويلة والأسعار المغايرة عن الأسعار العادية، كل ذلك نتيجة انخفاض الطلب وقلة عدد المشترين. والمثال التالي يوضح مفهوم السيولة:
في حال كنت تبحث عن أصل لتشتريه وكانت قيمته الأساسية هي 100 دولار، وكان السوق يتسم بالسيولة العالية، فإنك ستكون قادر على شراء هذا الأصل مباشرةً بـ 100 دولار تمامًا. وبناءً على ذلك ولأن حساب السيولة يتعلق بحسبان حجم الصفقات أو حتى حجم الصفقات المعلقة ضمن السوق، تصنف الأسواق لقسمين:
- أسواق مرتفعة السيولة: وتمتلك هذه الأسواق نشاط تداول كبير وعرض وطلب عالٍ على أصل ما، وبالتالي تتسم بسهولة العثور على مشترين أو بائعين.
- أسواق منخفضة السيولة: يكون عدد المشاركين في هذه الأسواق قليل وعمليات التداول لا تتم بشكل متكرر، أي أن هذه الأسواق تسمى أسواق غير سائلة (ننصحك بالاطلاع على: ما هي الأصول المتداولة أو الجارية).
أهمية السيولة liquidity في سوق الفوركس
تنبع أهمية السيولة في سوق الفوركس من قدرتها على تحقيق التوازن والاستقرار في السوق، وذلك عبر النقاط التالية:
- التنفيذ السريع للأوامر: تتميز الأسواق ذات السيولة المرتفعة بالسرعة في تنفيذ الأوامر، مع وجود فروقات ضئيلة بين السعر المراد والسعر المنفذ أي أن الانزلاق سيكون ضئيل جدًا.
- تقلبات أسعار أقل: تنخفض تقلبات الأسعار في الأسواق ذات السيولة العالية، مما يحافظ على الحد الأدنى من الخسائر التي تواجه المستثمرين، كما يحقق استقرار الأسعار في السوق.
- تقليل فروقات الأسعار: تعرف فروقات الأسعار بأنها الفجوة Gap بين سعر الشراء وسعر البيع لزوج العملات. وكلما كانت السيولة عالية كلما قل الفرق وانخفضت تكاليف المعاملات، مما يضمن العدل في التسعير لكل المشاركين ضمن السوق.
(قد يهمك أيضًا: التداول بالمناقلة Carry Trade مميزات وسلبيات).
ما هي السلبيات المترتبة على انخفاض السيولة؟
في حال انخفضت السيولة ضمن سوق الفوركس فهناك مجموعة من النقاط السلبية المحتمل مواجهتها وهي:
- ارتفاع تكاليف الفارق والمعاملات: في حال كانت السيولة في السوق منخفضة، سوف ترتفع الأسعار. ونتيجة لذلك، سترتفع أيضًا تكاليف الفارق والمعاملات.
- عدم كفاءة السوق: عندما تنخفض السيولة في السوق سيصبح وقت تنفيذ الأوامر أطول، ما يسبب تأخير التنفيذ بالإضافة لزيادة التكلفة. وهذا ما ينتج عنه عدم كفاءة السوق، الأمر الذي يقلل من عدد المتداولين ضمنه.
- أسعار غير مستقرة: في حال انخفضت السيولة سيكون العرض منخفض، وبالتالي سيتأثر المتداولين بأخبار السوق وبعواطفهم أيضًا، وجميعها أمور ستسبب عدم استقرار الأسعار.
(اقرأ أيضًا: شرح مصطلح FOMO في التداول).
عوامل تؤثر على السيولة في الفوركس
بشكل عام يعتبر سوق الفوركس من الأسواق السائلة، ولكن السيولة فيه لست ثابتة بشكل مطلق، وذلك نتيجة لمجموعة من العوامل التي من شأنها التأثير على السيولة في سوق الفوركس.
أي أن وجود تقلبات وإن كانت طفيفة في الأسعار ستؤثر على الاستثمار العالمي وحتى الاتفاقيات التجارية بين الدول، ونذكر لك منها:
- حجم السوق: يعتبر حجم السوق أول العوامل المؤثرة في السيولة في سوق الفوركس أي أن العملات ذات حجم الأسواق الكبيرة مثل الدولار الأمريكي (USD) والين الياباني (JPY)، بالإضافة إلى اليورو (EUR) والتي تتميز بطلب كبير، هي الأعلى سيولة في سوق الفوركس. الصورة أدناه توضح أزواج العملات الأساسية والثانوية في سوق الفوركس ومدى انخفاض وارتفاع سيولتها بشكل عام.
- السياسات النقدية: تلعب السياسات النقدية للبنوك المركزية دورًا كبيرًا في التأثير على سوق صرف العملات الأجنبية، وهو ما ينعكس على معنويات السوق ويؤثر على المستثمرين ويؤثر بدوره على مستوى السيولة للعملات المعنية بالقرارات.
- الأخبار الاقتصادية والأحداث العالمية: القرارات السياسية وغيرها من أحداث اقتصادية وأخبار وكوارث جميعها عوامل مؤثرة في معنويات السوق، مما ينعكس على السيولة عبر تحفيز أو تقليل نشاط التداول لبعض أزواج العملات.
- ساعات التداول: تحدد بعض مراكز التداول الكبرى مثل بورصة نيويورك وطوكيو ولندن ساعات تداول محددة أو تعرف أيضًا باسم جلسات التداول، حيث أنه غالبًا ما يكون التداول خلالها أكثر سيولة، وعادةً ما تنخفض السيولة خارج هذه الأوقات المحددة. مثلًا في حال كنت تتداول خلال ساعات التداول الآسيوية فإن السيولة ستكون أقل على أزواج العملات المرتبطة بالفرنك السويسري. أما عند المقارنة بساعات التداول الأوروبية مثل لندن، فذلك يعني فروقات أوسع.
ما هي أزواج العملات الأكثر سيولة في سوق الفوركس؟
تعتبر أزواج العملات الرئيسية في الفوركس هي الأكثر سيولة كونها الأكثر تداولًا، حيث أنها أكثر أمانًا من ناحية مخاطر الانزلاق، وأسرع من ناحية تنفيذ الأوامر. كما أن فرق العرض والطلب فيها أضيق من غيرها، ومن أمثلتها: EUR/USD ، USD/JPY، GBP/USD، USD/CHF، USD/CAD، AUD/USD، و NZD/USD.
توضح الصورة أدناه أكثر العملات تداولًا لعام 2024:
(ننصحك بقراءة مقالنا حول: أزواج العملات الثانوية Minor).
كيفية قياس سيولة الفوركس
يتم قياس مقدار السيولة في سوق الفوركس من خلال مجموعة من المقاييس ومنها:
- الفارق السعري: يعبر مصطلح الفارق السعري عن الفجوة بين أسعار الشراء وأسعار البيع، وكلما كان الفارق السعري أضيق كلما ارتفعت السيولة وزادت المنافسة أكثر. وذلك لأن سوق الفوركس مثله كمثل أي سوق آخر، فيه عمليات شراء وبيع وأسعار مختلفة. فهناك من يشتري العملات بأسعار معينة ثم يقوم ببيعها بأسعار أعلى، أي كما يفعل السماسرة.
- حجم التداول: حجم التداول هو عدد المعاملات أو عدد التبادلات النشطة القائمة بين المشتري والبائع. وكلما كان حجم التداول عالٍ كلما ارتفعت السيولة والعكس صحيح. ويقوم المتداولون بمقارنة أحجام التداول الحالية مع الأحجام التاريخية لأزواج العملات، ليتمكنوا من معرفة مدى التغير في مستويات السيولة في سوق الفوركس.
- حركة الأسعار: تعتبر الأسواق المستقرة أو التي تتسم بالأسعار الثابتة ذات سيولة جيدة وكافية، في حين أن التقلبات الشديدة في الأسعار تجعل الأسواق أقل سيولة.
- عمق السوق: يعبر مصطلح عمق السوق عن عدد الطلبات المقدمة ضمنه، وهي في الغالب عبارة عن طلبات شراء وبيع معلقة. كلما زاد عدد الطلبات المقدمة كلما ارتفعت السيولة بسبب وجود عدد كبير من المتداولين ضمن السوق. حيث يتم التعمق في فهم السيولة من خلال تحليل دفتر طلبات السوق وقياس عمق السوق.
- نسب السيولة: وهي من المقاييس الرائجة جدًا في قياس السيولة مثل نسب دوران رأس المال كالنسب السريعة والنسب الحالية ونسبة السيولة النقدية.
كيف تستخدم السيولة في التداول في الفوركس؟
يجب أخذ السيولة في عين الاعتبار قبل أن تتم عمليات فتح أو إغلاق مراكز ضمن الأسواق المالية. لأنه وفي حال كان هناك نقص بالسيولة فإن ذلك سيزيد من المخاطر. كما أنه في حال كان السوق متقلب وكان عدد المشترين أقل من البائعين، فستكون عملية إغلاق المركز صعبة.
مما قد يسبب خسائر أو قد يضطر المتداول إلى اللجوء لأطراف متعددة ذات أسعار متباينة من أجل تلبية ما يريد. لذلك، ينبغي التذكر دومًا أن السيولة مفهوم متغير ويتأرجح من الارتفاع إلى الانخفاض كونه مفهوم ديناميكي.
وكما أشرنا في فقرة سابقة إلى العوامل المؤثر في السيولة في سوق الفوركس، يجب أخذها جميعًا في عين الاعتبار بدءًا من التداول خارج أوقات ساعات التداول، ووصولًا إلى حجم المتداولين.
من هم المساهمون في السيولة في الفوركس؟
يعتبر سوق الفوركس عالي السيولة ويتضمن عدد كبير من المشاركين والمساهمين في العرض والطلب، وهو ما يوفر السيولة العالية. ونذكر لك من ضمنهم:
- البنوك المركزية: تعتبر البنوك المركزية من أكبر المشاركين من حيث الحجم في سوق الفوركس، حيث تقوم عادةً بعمليات إدارة العملات الوطنية وسن السياسات النقدية والتأثير على سعر الصرف مقابل العملات الثانية.
- المؤسسات المالية: تسهل المؤسسات المالية ومن ضمنها شركات الاستثمار بالإضافة للبنوك معاملات الفوركس، كما أنها تؤمن الوصول للسوق حيث تعمل على شكل وسيط تنوب عن عملائها.
- المتحوطون والمضاربون: وهي مجموعة من الشركات أو الأشخاص التي تسعى لتحقيق مكاسب ناتجة عن تقلب أسعار الصرف، أو من خلال التقليل من مخاطر السيولة المرتبطة بالمعاملات الدولية ضمن سوق الصرف الأجنبي.
أمثلة تاريخية وواقعية توضح سيولة النقد الأجنبي
سنقدم بعض الأمثلة الواقعية التي تبين أهمية السيولة في سوق الفوركس وتأثيرها في سلوك المتداول:
- اتخذ البنك المركزي السويسري قرارًا مفاجئًا في عام 2015 تمثل في إلغاء ربط الفرنك السويسري بعملة اليورو، وهو ما أثر على سوق الصرف الأجنبي بقوة نتيجة الانخفاض المفاجئ في القيمة، والذي بدوره سبب تحولات غير مسبوقة في ديناميكيات التداول، بالإضافة لخلق فجوة ضخمة في الأسعار. هذا فضلًا عن انخفاض حجم التداول وهو ما يؤكد ضرورة الانتباه إلى السيولة لمواجهة أي حدث مفاجئ وغير متوقع.
- تداخل ساعات التداول الرئيسية مع بعضها البعض، ما يسبب ارتفاعات في الحجم مثل تداخل جلسات التداول الأوروبية وجلسات تداول أمريكيا الشمالية، والتي يطلق عليها اسم “تداخل لندن ونيويورك” حيث يرتفع حجم التداول ليصل للذروة، وهو ما ينتج عنه ظروف مثالية مواتية جدًا لتنفيذ صفقات التداول.
من هم مزودو السيولة وماذا يفعلون في سوق الفوركس؟
يمكن تعريف مزودي السيولة في سوق الفوركس على أنهم إما أفراد أو حتى مؤسسات يحددون أسعار البيع والشراء لمختلف أزواج العملات، ما يضمن كفاءة السوق عبر توفيرهم باستمرار لأسعار العرض والطلب، بطريقة تضمن إتاحة العروض دومًا للمتداولين. ونتيجة لمساهماتهم هذه يحصل هؤلاء المزودين على فارق سعر.
في الختام:
السيولة في سوق الفوركس هي معيار هام جدًا، فارتفاعها أو انخفاضها يؤثر بالتأكيد على قراراتك في التداول. كما يمكن للسيولة العالية أن تحقق لك أرباحًا، إلا أن انخفاضها قد يسبب خسائر، ويضعك في مواجهة مخاطر متعددة. لذا، من الضروري جدًا معرفة كيفية قياس السيولة للمساعدة في اتخاذ قرارات جيدة ومدروسة.