إلى جانب أهمية النّسب والصيغ المحاسبية وضرورة معرفة مراحل دورة المحاسبة، من الضّروري لأصحاب الأعمال اعتماد مبدأ الاعتراف بالنفقات في العمل ضمن نفس الفترة التي يتم فيها تحقيق الإيرادات، أي ضمن نفس الفترة المحاسبية.
وذلك ليتمكنوا من التخطيط المستقبلي لاستثماراتهم وإعداد تقارير النفقات، فضلًا عن تعظيم عائد الاستثمار عبر التخلص من أيّة تكاليف لا يمكنها أن تساعد على تحقيق صافي أرباح المؤسسة أو الشركة، وذلك من خلال تحديد كل من التّكاليف الإنتاجية وغير الإنتاجية.
كما أنّ الاعتراف بالنفقات من شأنه أن يوفّر بيانات مالية تعطي نظرة شاملة وصادقة عن الشركة. لذا، دعونا نتعمّق أكثر في مفهوم الاعتراف بالنفقات أو المصروفات ضمن مقالنا لليوم، ونقدّم أهم النّصائح للتغلّب على عوائق تطبيق هذا المبدأ.
كيف يمكن تعريف مبدأ الاعتراف بالنفقات؟
يعرّف مبدأ الاعتراف بالمصروفات (النّفقات) أو ما يُعرف أيضًا بمبدأ المطابقة كأحد المبادئ المحاسبية المقبولة عمومًا GAAP. كما أنه عنصر رئيسي في المحاسبة الاستحقاقية، وينص هذا المبدأ على الاعتراف بالنفقات والإيرادات المرتبطة بها أيضًا، وتسجيلها ضمن نفس الفترة المحاسبية، بغض النّظر عن أوقات دفع النقد أو حتى استلامه.
أي للتّوضيح أكثر، في حال قام صاحب العمل بإنتاج سلعة أو منتج حقق له إيرادات بمقدار 100000 دولار شهريًا، فإنّه يجب أن يتم تسجيل النفقات المرتبطة بهذا المنتج من تكاليف إنتاج وعمولة مندوب المبيعات وغيرها من تكاليف، ضمن الفترة نفسها التي تمّ فيها الاعتراف بالإيرادات المحققة.
وغالبًا ما تلتزم الشركات التي تستخدم المحاسبة الاستحقاقية هذا المبدأ، حيث تتمكّن الشركات من خلال اعتماد مبدأ الاعتراف بالنفقات من تمثيل الأداء المالي لها بشكلٍ أكثر دقّة. وبالتالي، تحقيق دقة أكبر في قياس الربح، فضلًا عن اتخاذ قرارات صحيحة بما يتعلق بتخصيص الموارد والتخطيط الاستراتيجي.
أهمية مبدأ الاعتراف بالمصروفات في المحاسبة الاستحقاقية
بدايةً دعونا نوضّح الفرق بين كل من المحاسبة الاستحقاقية والمحاسبة النقدية، من ثَمّ سنتطرّق إلى أهمية الاعتراف بالنفقات في المحاسبة الاستحقاقية:
- المحاسبة الاستحقاقية: هي نوع من أنواع المحاسبة تتطلّب من المؤسسات تسجيل الدخل والمصروفات عند حدوث المعاملات، وليس عند الدفع. وتُعتبر شائعة في كل من الشركات المتوسطة والكبيرة أيضًا خاصةً الشركات التي تحقق مبيعات على الائتمان. وذلك من خلال مطابقة إيرادات الشركة مع النفقات المقابلة، وهو الأمر الذي يسهّل قياس مدى ربح أنشطة تجارية محددة ضمن فترات معينة.
- المحاسبة النقدية: تتلخّص المحاسبة النقدية بالاعتراف بالدخل والنفقات حصرًا عند انتقال النقد من يدٍ لأخرى، أي عند دفعه أو استلامه دون أخذ وقت حدوث المعاملة بعين الاعتبار. كما أنها لا تتطلّب من الشركات مطابقة الإيرادات والنفقات ضمن نفس الفترة الزمنية. وبالتالي، تُعتبر المحاسبة النقدية طريقة بسيطة تسمح للشركات بالحصول على فوائد ضريبية للمصروفات القابلة للخصم خلال وقت مبكر، أكثر مما تفعله المحاسبة الاستحقاقية. والسّبب في ذلك أنها تسجل المصروفات أو النفقات عند السداد، وليس عند بدء الإيرادات.
وبناءً على ما سبق، يُعتبر مبدأ الاعتراف بالنفقات ذو أهمية عالية في المحاسبة الاستحقاقية، كونه يضمن أن البيانات المالية تعكس بشكل دقيق كل من مكانة الشركة وأدائها المالي. وذلك عبر الاعتراف بالمصروفات عند حدوثها وليس عند تبادل النقد.
ولأنّ المحاسبة الاستحقاقية توفّر وصفًا دقيقًا لربح الشركة، يمكن لأصحاب العمل تقييم التكاليف الحقيقية للإيرادات من أجل اتخاذ قرارات صائبة. فضلًا عن تعزيز مبدأ الاعتراف بالنفقات للشفافية والموثوقية، كونه متماشٍ مع مبدأ المطابقة. ويبين الجدول التالي توقيت الاعتراف بالنفقات في كل من نوعي المحاسبة الاستحقاقية والنقدية:
نوع المحاسبة |
توقيت الاعتراف بالنفقات |
توقيت الاعتراف بالإيرادات |
المحاسبة النقدية | عند الدفع | عند استلام النقود |
المحاسبة الاستحقاقية | عند حدوث النفقات | عند حدوث المعاملة |
قد يهمك أيضًا: ما هو الاستثمار السلبي وما الفرق بينه وبين الاستثمار النشط؟.
كيف يعمل مبدأ الاعتراف بالنفقات؟
إنّ هدف مبدأ الاعتراف بالمصروفات هو مطابقة كل من إيرادات ومصروفات العمل في نفس الفترة، أي أنه في حال نُفّذ عمل ما ولم تدفع ثمنه سيتم تسجيله كنفقات وسوف تستحقّه على شكل التزام تجاري. وبشكلٍ معاكس، في حال دفعتَ ثمن شيء إلّا أنك لم تتلقَ فائدة منه أو ما يعرف بإيرادات مرتبطة به، ستُسَجّل هذه الفائدة كأصل، أي كمصروف أو نفقة مدفوعة مقدمًا.
وفي حال كانت الشركة من النوع الذي يعتمد المحاسبة النقدية، فستقوم بالاعتراف بالنفقات والإيرادات عند تغيّر النقد بدلًا من الاعتراف بها عند حدوث المعاملة. وحتى نوضّح أكثر مفهوم مبدأ الاعتراف بالنفقات سنستعرض قائمة من الأمثلة حول ذلك:
- في حال افترضنا أنه بلغت تكاليف العمالة في شركة ما حوالي 50 ألف دولار لإنتاج عدد من المنتجات في الربع الأخير من عام 2023، إلا أن الشركة لم تُرسل رواتب بعض الموظفين إلّا في أول يوم من السنة الجديدة، فإنّه وحسب مبدأ الاعتراف بالنفقات، على الشركة أن تعترف بتكاليف العمالة في عام 2023 نظرًا لأنه الوقت الذي حصلت فيه التكاليف. أي أنه سيتم تسجيل التكاليف في عام 2023 وليس في السنة الجديدة. وفي حال لم يُصرف للموظفين رواتبهم، ببساطة تقوم الشركة بتعويض الأموال خاصّتهم كالتزام.
- أما في حالة المحاسبة النقدية، لا يتم الاعتراف بجزء الأجور الذي لم تدفعه الشركة حتى بعد اليوم الأول من السنة الجديدة من عام 2024، وعندها تحصل الشركة على فائدة ضريبية متأخرة عبر الاعتراف بنفقات هذه الأجور في وقتٍ لاحق. أي أنه سيكون هناك حالة عدم توافق بين نفقات الأجور والإنتاج الذي أُنشِئ عندما كان الموظفون يكسبون هذا المقدار من الأجر.
يمكنك أن تقرأ أيضًا: ما هو مفهوم تخصيص التكلفة؟.
ما هي الحالات التي يتم فيها استخدام مبدأ الاعتراف بالمصروفات أو النفقات؟
تتضمن القائمة التالية أمثلة عن الحالات التي يُستخدم فيها مبدأ الاعتراف بالنفقات في الشركات وإليك أهمها:
- الرواتب والأجور: تقوم الشركات التي تعتمد المحاسبة الاستحقاقية بالتّعرف على نفقات الرواتب والأجور عند أداء العمل، وليس في وقت صرف الشيكات.
- عمولات المبيعات: تعترف الشركات التي تدفع عمولات مرتبطة بالمبيعات بتلك العمولات، عند حدوث المبيعات.
- مكافآت الموظفين: من الأمثلة على تطبيق مبدأ الاعتراف بالنفقات أيضًا هو تسجيل مكافآت الموظفين في العام الذي اُستلمت فيه، وليس في الوقت الذي أُصدرت فيه الشيكات.
- الاستهلاك: من الضّروري أن يحدث استهلاك للأصول في السنة التي اُستخدمت فيها هذه الأصول وأُنفق جزء من فائدتها.
- شراء اللوازم: تقوم بعض الشركات بشراء لوازم للإنتاج من أجل استخدامها في أوقات إنتاج لاحقة، ولذلك ينبغي على هذه الشركات تسجيل تلك النفقات عند استخدامها وليس عند شرائها.
- المسؤولية عن الخدمات المقدمة: ينبغي أيضًا تحمل النفقات والالتزامات بمجرّد الحصول على فائدة العمل المُنجز، حتى في حال كان العمل غير مدفوع الأجر.
ما هي أبرز التحديات التي تعرقل الاعتراف بالنفقات؟
قد تظهر بعض العراقيل عند تطبيق مبدأ الاعتراف بالنفقات ومن بينها:
- التوفيق بين توقيت الاعتراف بالنفقات والوقت الفعلي لوقوعها: أحيانًا يتم الاعتراف بالنفقات في أوقات مبكرة جدًا أو متأخرة كثيرًا، وهو الأمر الذي يؤدي إلى افتقار التقارير المالية للدقة.
- صعوبة التّحول إلى المحاسبة على أساس الاستحقاق: وهي مشكلة تواجه الشركات التي تعتمد المحاسبة النقدية، الأمر الذي ينتج عنه تناقضات في الاعتراف بالنفقات خاصةً بالنسبة للشركات التي تمتلك تدفقات نقدية غير منتظمة.
- الدقة في تخصيص النفقات: خاصةً في حالة المعاملات التجارية المعقّدة كعمليات الدّمج أو العقود طويلة الأجل، أو حتى الاستحواذ، وذلك في فترات إعداد التقارير المالية. وبالتالي ستحتاج الشركات في مثل هذه الحالة لتحليل وأحكام دقيقة لتحديد الوقت المناسب وتخصيص النفقات.
- الإهمال والأخطاء البشرية: من الممكن أن تؤدي الأخطاء البشرية والإهمال إلى اعتراف غير صحيح بالنفقات. وبالتالي، سينتج عن ذلك أخطاء في التقارير المالية للشركة. ومن ضمن الأمثلة عن هذه الأخطاء: الأخطاء الحسابية، سوء تفسير معايير المحاسبة، بالإضافة إلى التصنيف غير الصحيح للنفقات.
لكن يبقى السؤال هنا، هل هناك طريقة للتغلب على هذه التحديات؟ الإجابة هي نعم، وذلك من خلال تطبيق مجموعة من الاستراتيجيات.
ما هي أهم الاستراتيجيات للتغلب على تحديات الاعتراف بالنفقات؟
يمكن لأصحاب الشركات والأعمال اتّباع بعض الاستراتيجيات الفعالة من أجل التغلب على المشاكل المرتبطة بمبدأ الاعتراف بالنفقات ومن بينها:
- اعتماد سياسات وإجراءات واضحة: ينبغي على إدارة الشركات أن تضع سياسات واضحة للاعتراف بالنفقات من أجل تقديم الإرشادات لموظفي قسم المحاسبة فيها، وذلك عبر تحديد معايير ومبادئ واضحة للاعتراف بالنفقات، فضلًا عن تقديم تدريب للموظفين لضمان امتثالهم.
- تنفيذ الضوابط الداخلية القوية: حيث يُسهم تنفيذها في مراقبة عمليات الاعتراف بالنفقات بشكلٍ أكثر فعالية، ومن الأمثلة على ذلك: إجراء عمليات تسوية منتظمة، بالإضافة إلى فصل المهام، وعمليات التدقيق الداخلية لتحديد الأخطاء والتناقضات ومحاولة تصحيحها بأسرع وقت.
- مراجعة البيانات المالية بشكل منتظم: من الضروري القيام بمراجعات منتظمة لكل البيانات المالية من أجل التأكد من دقتها وملائمتها لمبدأ الاعتراف بالنفقات. حيث يمكن أن يتم ذلك من خلال مقارنة النفقات الفعلية بالمبالغ المتوقعة، أو التي تم إدراجها ضمن الميزانية. حيث ينبغي البحث عن أيّة فروقات كبيرة من أجل اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة.
- استخدام برامج المحاسبة: تساعد برامج المحاسبة المتوفرة اليوم في أتمتة تقارير النفقات بما يضمن الالتزام بمبادئ المحاسبة. حيث تتضمن هذه البرامج ميزات مثل أدوات تتبع النفقات، ووحدات المحاسبة الاستحقاقية، فضلًا عن وظائف إعداد التقارير القابلة للتخصيص. حيث تعمل هذه الأدوات على تبسيط عملية التعرف على النفقات. ومن بين الأمثلة على برامج المحاسبة التي تتضمن الأدوات السابقة نرشّح لك: QuickBooks وZoho Books وOracle Netsuite.
ما الفرق بين النفقات المدفوعة مقدّمًا والنفقات المستَحقّة؟
تُعبّر النفقات أو المصروفات المدفوعة مقدمًا عن كل المدفوعات التي تم دفعها مقابل خدمات أو حتى سلع سيتم فيما بعد استخدامها، ضمن فترات محاسبية مستقبلًا. وتقوم الشركات بتسجيل هذه النفقات بدايةً على شكل أصول في الميزانية العمومية، ليتم فيما بعد الاعتراف بها كمصروفات مع مرور الوقت عند استهلاك هذه النفقات أو استنفادها.
أما النفقات المستَحقة، فتُعتبر مصروفات تتكبّدها الشركة لكنها لم تدفعها أو تسجلها ضمن السّجلات المحاسبية. وغالبًا ما تأتي هذه النفقات من الخدمات التي تم تلقيها، أو حتى من التزامات خلال فترة محاسبية ما، إلّا أنها لم تنعكس ضمن البيانات المالية بعد. من جهةٍ أخرى، يتم تسجيل النفقات المستحقة مع القيود المعدَّلة من أجل ضمان الاعتراف بها في الفترة التي حصلت فيها.
في الختام:
يساعد مبدأ الاعتراف بالمصروفات في الحفاظ على دقة السجلات المالية للشركات، كما أنّه يعكس مدى صحة الشركة من الناحية المالية، وذلك من خلال عكس النفقات بدقة عالية عند تأثيرها على صافي الأرباح. وينتج عن كل ذلك اتخاذ قراراتٍ صائبة في حال تقيّد صاحب العمل بالإرشادات اللازمة لتطبيق الاعتراف بالنفقات بدقة.