لطالما كان الشرق الأوسط منطقة متوترة سياسيًا وأمنيًا، مما أثّر بشكلٍ كبيرٍ على اقتصادات العالم، لا سيّما في قطاع الطاقة والشحن البحري. حيث تلعب النزاعات في هذه المنطقة دورًا رئيسيًا في تقلب أسعار النفط وتكاليف الشحن العالمية.
فالصراعات السياسية والعسكرية المستمرة في دول الشرق الأوسط، تؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة وتهديد إمدادات النفط والغاز. وهذا بدوره يتسبب في زيادة مخاطر الشحن وخاصة البحري في المنطقة. وعليه، سنستعرض في هذا المقال العلاقة بين النفط ونزاعات الشرق الاوسط، وما دور هذه الصراعات تذبذب الاقتصاد العالمي.
تأثير العلاقة بين النفط ونزاعات الشرق الاوسط
سيكون للتصعيد في الشرق الأوسط تداعيات اقتصادية كبيرة على العالم بأسره. فمنطقة الشرق الأوسط تنتج ثلث إنتاج النفط في العالم وتمتلك أكثر من نصف احتياطي النفط العالمي. كما أنها تساهم بنسبة 16% في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وتمتلك إيران وحدها 17% من احتياطي الغاز العالمي.
وقد ارتفع سعر النفط بسبب هذا التصعيد، على سبيل المثال ارتفع خام برنت بنسبة 5.6% منذ بداية العام الجاري. وسيؤدي ارتفاع أسعار النفط بدوره إلى ارتفاع أسعار العديد من القطاعات المرتبطة به مثل السيارات والنقل والطيران والدهانات والإطارات والأسمنت والمواد الكيميائية.
علاوةً على ذلك، قد يؤدي التصعيد إلى إغلاق مضيق هرمز، وهو الممر الأكثر أهمية لتجارة النفط عالميًا، إذ يتدفق عبره 25% من تجارة النفط البحرية و20% من تجارة الغاز العالمية.
اقرأ أيضًا: كسب المال من تعبئة الاستبيانات: أشهر مواقع تعبئة الاستبيانات بالوطن العربي
المخاطر التي تهدد الآفاق المستقبلية لأسواق النفط
تواجه أسواق النفط مخاطر جيوسياسية متعددة. فقد أدى الصراع الأخير في الشرق الأوسط إلى زيادة المخاطر على سوق السلع الأولية، حيث تعد المنطقة مصدرًا لثلث حجم التجارة البحرية للنفط عالميًا. على الرغم من تراجع هذا السيناريو، فإن تصاعد الصراع قد يؤدي إلى اضطرابات حادة في إمدادات النفط، حسب مدة ونطاق هذا الصراع.
بالإضافة إلى ذلك، هناك فرص محتملة لتطورات إيجابية في سوق النفط، مثل احتمال تمديد السعودية وروسيا لتخفيضات الإنتاج أو زيادتها. كما أن الزيادة الأخيرة في إنتاج النفط قد تعرض صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة لخطر عدم القدرة على تلبية الزيادة المتوقعة في الإنتاج بحلول عام 2025.
كما تشكل المخاطر السلبية الأخرى التي تهدد أسعار النفط ارتباطًا وثيقًا بأداء الاقتصاد العالمي، ولا سيما الاقتصاد الصيني. وتتفاعل هذه العوامل مجتمعة في ديناميات سوق النفط المعقدة، في ظل حالة عدم اليقين الجيوسياسية السائدة.
نمو الطلب الإقليمي على النفط
في عام 2023، شهد الطلب العالمي على النفط أعلى مستوياته على الإطلاق، مدفوعًا بشكل رئيسي بالطلب من جانب الصين. حيث زاد الطلب على النفط في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بمقدار 2.3 مليون برميل يوميًا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، في حين ظل مستقرًا نسبيًا في الاقتصادات المتقدمة. وكان الطلب في الصين مرنًا بشكل مدهش، مدفوعًا بمجموعة واسعة من العوامل، بما في ذلك نشاط قطاع النقل والمواصلات الذي استمر في التعافي.
وتشير التقديرات إلى أن الصين تمثل نحو 75% من الزيادة التي شهدها الطلب على النفط في عام 2023. ومن المتوقع أن يرتفع الاستهلاك العالمي للنفط بنسبة 2% في عام 2024 إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 101.7 مليون برميل يوميًا، ثم يتباطأ إلى أقل من 1% في عام 2024، مما يعكس التأثير المتأخر لتشديد السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة.
تأثير نزاعات الشرق الأوسط على أجور الشحن العالمية
تشير الجمعية الدولية للشحن والتأمين “أليانز ترايد” إلى أن التوترات الجيوسياسية المستمرة في الشرق الأوسط قد أدت إلى ارتفاع أسعار شحن الحاويات إلى أعلى مستوى منذ عامين. ففي حين انخفضت هذه الأسعار على مدار ثلاثة أشهر في بداية العام، إلا أنها ارتفعت بنسبة تزيد عن الضعف (+121%) منذ ذلك الحين، لتصل إلى 5901 دولار للحاوية القياسية مقاس 40 قدمًا. وبالمقارنة مع عام 2023، تضاعفت الأسعار تقريبًا بنسبة 297%.
وتوضح خبيرة القطاع في “أليانز ترايد”، ماريا لاتوري، أن تكاليف النقل المرتفعة لن تنخفض ما دامت التوترات مستمرة في الشرق الأوسط، وخاصةً في منطقة البحر الأحمر. فالهجمات التي يشنها الحوثيين على السفن في البحر الأحمر هي العامل الرئيسي المؤثر على أسعار الشحن، حيث أصبحت السفن مضطرة إلى اتخاذ مسارات أطول بكثير حول إفريقيا.
تأثير الهجمات على السفن في البحر الأحمر على سلاسل التوريد
إضافة إلى رفع أجور الشحن، أدت الهجمات على السفن في البحر الأحمر إلى تعطل سلاسل التوريد وتأخير مواعيد التسليم، علاوة على اكتظاظ بعض الموانئ. وعلى الرغم من ارتفاع تكاليف النقل، فإن هذا الارتفاع يُقدر بنحو 15% فقط من الزيادة الإجمالية، حيث ساهم تزايد الطلب والتعافي البطيء للتجارة العالمية في هذه الزيادة.
في المقابل، شهدت أسعار النفط، التي كانت السبب الرئيسي لزيادة أسعار الشحن في عام 2022، انخفاضًا حادًا، حسب تقرير “أليانز ترايد”. ونتيجة لذلك، استفادت شركات نقل الحاويات من ارتفاع أسعار الشحن.
من ناحية أخرى، تواجه الشركات الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على آسيا في وارداتها، بخلاف منافسيها الأمريكيين، اضطرابات في نقاط الاختناق الرئيسية مثل البحر الأحمر. وقد قامت العديد من الشركات الأوروبية بخفض مخزوناتها خلال العام الماضي، مما يجعلها قلقة بشأن إمداداتها في النصف الثاني من العام الحالي، مع توقع ارتفاع الطلب.
اقرأ المزيد: أشهر مواقع البحث عن عمل في الوطن العربي ونصائح لإيجاد عمل مناسب
تأثير نزاعات الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي
إن التوتر في الشرق الأوسط الذي يغذي الصراع المتصاعد له آثار واسعة النطاق ليس فقط على المنطقة، بل وأيضًا على الاقتصاد العالمي.
على سبيل المثال، من المتوقع أن يؤدي الصراع المتصاعد إلى زيادة التضخم العالمي، مما يؤدي إلى إدخال حالة من عدم اليقين والتحديات الجديدة لأجندة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لخفض أسعار الفائدة. من النفط إلى المعادن الثمينة، ومن العملات إلى الأسهم وحتى الطاقة الجديدة، لا يمكن لأي قطاع تقريبًا أن يكون بمنأى عن التأثير.
يمكن القول أنه في عصر العولمة، تجاوز الوضع في الشرق الأوسط حدود الدول الفردية ليصبح تحديًا عالميًا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن الصين تدعو المجتمع الدولي، وخاصة الدول المؤثرة، إلى لعب دور بناء في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين.
إن استقرار المنطقة له أهمية كبيرة، ليس فقط للاستقرار الاقتصادي العالمي والتنمية، ولكن أيضًا للاقتصاد الصيني. بادئ ذي بدء، تعد المنطقة مصدرًا مهمًا للنفط والغاز بالنسبة للصين، حيث تلعب مواردها الوفيرة دورًا حيويًا في ضمان أمن الطاقة في الصين. إن استمرار أو تصعيد الصراع في الشرق الأوسط قد يضع المزيد من الضغوط على تكاليف استيراد الطاقة في الصين، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التصنيع وربما يؤثر على القدرة التنافسية لصادراتها.
تأثير نزاعات الشرق الأوسط على الاقتصاد الأمريكي
على الرغم من قوة الاقتصاد الأمريكي والقدرة على تحمل التأثيرات المباشرة للصراعات، إلا أن ذلك قد يتغير إذا تجاوزت أسعار النفط عتبة 100 دولار للبرميل. فمن المرجح أن تستمر التوترات في الشرق الأوسط وتفرض ضغوطًا تصاعدية على أسعار النفط العالمية.
وتعتمد التكاليف الاقتصادية التي تتحملها الولايات المتحدة على مدى سرعة ارتفاع الأسعار. حتى الآن، لم يكن للتوترات في الشرق الأوسط تأثير كبير على إمدادات النفط مما حد من تأثيرها على الأسعار. ولكن، أدت توترات المنطقة الأخيرة مثلًا (كرد “إسرائيل” على إيران) إلى ارتفاع أسعار خام برنت بنسبة 2 بالمئة. وعلى الرغم من ذلك، فقد تم تداول النفط بسعر أقل بأكثر من ثلاثة دولارات عن ذروته الأخيرة.
وبطبيعة الحال سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع أسعار الوقود، كما أن مقياس مؤشر أسعار المستهلك للتضخم سيرتفع بمقدار نصف نقطة مئوية إذا قفزت أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل. وفي حالة وصول أسعار النفط إلى 120 دولارًا للبرميل، فإن ذلك سيدفع أسعار المستهلك للارتفاع بأكثر من نقطة مئوية واحدة.
وبدوره قد يؤدي المزيد من النمو إلى زيادة صعوبة قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة قريبًا، مما يجعل تكاليف الاقتراض على الرهون العقارية وبطاقات الائتمان والقروض الأخرى باهظة الثمن.
لا تفوت الاطلاع على: أفضل منصات التداول الخوارزمي في الوطن العربي 2023
تأثير الاغتيالات السياسية على أسعار النفط والشحن
من المؤكد أن التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط ومنها الاغتيالات سيكون لها تأثيرات سواء مباشرة أم غير مباشرة، قليلة أم كبيرة، على عدة محاور أبرزها الجيواقتصادي، أي أسعار النفط والشحن في المنطقة المحيطة بحلفاء إيران ووكلائها.
وستكون للتطورات الأخيرة ميدانيًا مجموعة من التداعيات على المدى القصير المنظور، حيث توقع المحللين بعض التقلبات والارتفاعات قصيرة الأجل في أسعار النفط، نظرًا لزيادة المخاوف بشأن إمدادات النفط والحركة البحرية في المنطقة. لكنه أوضح أنه من المحتمل أو المنتظر أن يتم تحسين الوضع لاحقًا، باعتبار أن المنطقة قد شهدت أحداثًا مماثلة في السابق وكانت آثارها محدودة.
أما على المدى الطويل، فأعرب المحللين عن مخاوف من تأثير هذا الحدث على المتغيرات الجيوسياسية بالمنطقة، متوقعًا أن تشهد التحالفات والتوازنات الإقليمية تحولات قد تؤثر على سياسات الإنتاج وتصدير النفط في المنطقة مستقبلًا.
في الختام بعد أن تعرفنا على العلاقة بين النفط ونزاعات الشرق الاوسط وتأثيرها على العالم ككل، نستنتج أن لهذه النزاعات تأثير كبير على أسواق النفط العالمية وتكاليف الشحن البحري والجوي. فالاضطرابات السياسية والأمنية في هذه المنطقة الحساسة تؤدي إلى تقلبات في إمدادات النفط وارتفاع أسعاره، بما ينعكس بشكل مباشر على تكاليف نقل البضائع عبر العالم.