يمثل مفهوم المركز المفتوح في التداول ركيزةً أساسيةً لفهم آليات السوق وتحقيق الأرباح. استراتيجية التداول المفتوحة هي استراتيجية بسيطة إلى حدٍّ ما، تحدد نقاط دخول الصفقات والخروج منها بناءً على مستويات الأسعار التي تم التوصل إليها خلال الساعة الأولى من التداول.
يمكن تطبيق استراتيجية التداول المفتوحة في الصباح بعد افتتاح الأسواق الأوروبية ومرة أخرى في فترة ما بعد الظهر بعد افتتاح الأسواق الأمريكية. بالتالي، تسمح الاستراتيجية بوجود صفقة واحدة أو اثنتين يومياً لكل مؤشر، يتم إغلاق المراكز المفتوحة دائماً في نفس اليوم، ولا تُحتفظ بالمراكز عند الإقفال.
إذا كنت مستثمراً على المدى الطويل، ستكون عمليات التداول المفتوحة خيارك المفضل، حيث يمكنك بسهولة مراقبة أداء استثماراتك ومتابعة تقدم محفظتك الاستثمارية.
شرح مفهوم المركز المفتوح في التداول
المركز المفتوح في التداول هو عبارة عن صفقة قائمة لم تُغلق بعد، ولم يتم استكمالها، على سبيل المثال تخيل أنك تمتلك 500 سهم في شركة معينة، يمثل هذا مركزاً مفتوحاً في ذلك السهم، ويُغلق المركز عندما تبيع تلك الأسهم الـ 500 ، عادةً ما يكون لدى المستثمرين الذين يتبعون استراتيجية “الشراء والاحتفاظ” مركزاً مفتوحاً واحداً أو أكثر في أي وقت.
أما المتداولون على المدى القصير فقد يقومون بعمليات تداول “ذهاباً وإياباً”، حيث يُفتح المركز ويُغلق في فترة زمنية قصيرة نسبياً. ويمكن للمتداولين اليوميين والمضاربين حتى فتح وإغلاق مركز خلال ثوان معدودة، محاولين استغلال تحركات الأسعار الصغيرة والمتعددة على مدار اليوم.
بمعنى آخر، اعتبر أنك دخلت سوقاً مليئاً بالفرص الاستثمارية، فقررت شراء بعض الأسهم (مركز طويل)، أو ربما قمت ببيع بعض الأسهم التي تملكها على سبيل الإقراض (مركز قصير). في كلتا الحالتين، يُعتبر هذا “مركز مفتوح” لأن الصفقة لم تكتمل بعد. وفي حال أنك اشتريت أسهماً، فهذا المركز المفتوح سيظل قائماً إلى أن تبيع تلك الأسهم.
والعكس صحيح، إذا قمت ببيع الأسهم على المكشوف (أي اقترضت الأسهم ثم بعتها من أجل إعادة شرائها لاحقاً)، فإن المركز المفتوح سيظل قائماً إلى أن تشتري الأسهم مرة أخرى لإعادة سداد القرض.
وهنا بعض المفاهيم التي يجب إدراكها قبل الغوص في باقي الأفكار:
- المركز: يُشير المركز إلى كمية الأوراق المالية أو السلع أو العملات التي يمتلكها أو يبيعها على المكشوف فرد أو تاجر أو مؤسسة أو أي كيان آخر. وهنا لابد من التمييز بين نوعين من المراكز: المركز الطويل: يشير إلى امتلاك أصل ما، أي توقع ارتفاع سعره. أما المركز القصير: يشير إلى بيع أصل ما على المكشوف، أي توقع انخفاض سعره.
- التداول اليومي: هو استراتيجية تداول تتضمن شراء وبيع الأوراق المالية خلال نفس يوم التداول بهدف الاستفادة من تحركات الأسعار قصيرة الأجل.
- التداول المتأرجح: هي استراتيجية تداول تهدف إلى تحقيق أرباح من خلال شراء وبيع أصل ما على مدار فترة زمنية أطول، تتراوح من بضعة أيام إلى عدة أسابيع.
- المركز الليلي: يشير إلى إبقاء صفقة مفتوحة دون تصفيتها حتى نهاية يوم التداول العادي. تُستخدم هذه الاستراتيجية بشكل شائع في أسواق العملات.
- مركز الإغلاق: هو معاملة تُجرى عكسية للمركز المفتوح بهدف إلغائه وإزالة التعرض الأولي للسوق.
- العائد اليومي: يقيس العائد اليومي ربحية أصل ما خلال يوم تداول واحد، وذلك بحساب الفرق بين سعر الافتتاح وسعر الإغلاق.
المخاطر المرتبطة بالمركز المفتوح
يمثل المركز المفتوح بوابة انفتاح المستثمر على السوق، يبقى الخطر موجوداً إلى حين إغلاق المركز. ويمكن الاحتفاظ بالمركز المفتوح لمدد تتراوح بين دقائق وسنوات، وذلك بحسب أسلوب المستثمر أو المتداول وأهدافه.
تتكون محافظ الاستثمار عادةً من عدة مراكز مفتوحة، وتعتمد درجة المخاطر المرتبطة بالمركز المفتوح على حجم المركز بالنسبة إلى حجم الحساب وفترة الاحتفاظ. بشكل عام، تُعتبر فترات الاحتفاظ الطويلة أكثر خطورة لأنها تعرض المستثمر بشكل أكبر لأحداث السوق غير المتوقعة.
والطريقة الوحيدة للقضاء على هذا التعرض هي إغلاق المركز المفتوح. تذكر أن إغلاق المركز القصير يتطلب إعادة شراء الأسهم، بينما يتطلب إغلاق المركز الطويل بيع الأسهم المملوكة.
تنويع مراكز الاستثمار المفتوحة
يُنصح المستثمرون بأن لا تتجاوز قيمة أي مركز مفتوح نسبة 2% أو أقل من إجمالي قيمة محفظتهم الاستثمارية وذلك لتقليل المخاطر، ، كما يمكن للمستثمر أن يقلل المخاطر أكثر من خلال تنويع مراكزه المفتوحة عبر توزيعها على قطاعات سوقية مختلفة وفئات أصول متباينة.
على سبيل المثال، لنفترض أن لديك محفظة استثمارية تتضمن مراكز مفتوحة في أسهم تبلغ قيمتها الإجمالية 2% من قيمة المحفظة، ولكن هذه الأسهم موزعة على قطاعات متعددة مثل: المالية، وتكنولوجيا المعلومات، والرعاية الصحية، والمرافق العامة، والسلع الاستهلاكية الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، تشمل محفظتك استثمارات في أصول ذات دخل ثابت مثل سندات حكومية. هذا التوزيع المتنوع يُعد محفظة استثمارية جيدة التنويع.
إدارة المراكز المفتوحة للتقليل من المخاطر
يعمد المستثمرون إلى تعديل توزيع استثماراتهم عبر القطاعات المختلفة بناءً على ظروف السوق. مع ذلك، فإن الحفاظ على قيمة كل مركز مفتوح عند 2% أو أقل من إجمالي المحفظة يساهم في تخفيف حدة المخاطر.
هناك عدة استراتيجيات أخرى يمكن اعتمادها للتقليل من المخاطر المرتبطة بالمركز المفتوح:
-
أوامر وقف الخسارة (Stop-Loss): وضع أوامر وقف الخسارة يساعد على الحد من الخسائر والقضاء على التعرض لشركات ذات أداء ضعيف. حيث يقوم الوسيط تلقائياً ببيع الأسهم عند وصول سعرها إلى مستوى معين تحدده أنت مسبقاً، مما يمنع انخفاض قيمة استثمارك بشكل كبير.
-
تنويع المحفظة: توزيع المراكز المفتوحة على قطاعات سوقية متعددة وفئات أصول مختلفة، كما ذكر سابقاً، يعد من أهم أساليب إدارة المخاطر. على سبيل المثال، لا تضع كل استثماراتك في أسهم شركات تكنولوجيا المعلومات، بل وزعها على قطاعات أخرى مثل الرعاية الصحية والمواد الأساسية.
-
المخاطر النظامية: تجدر الإشارة إلى أنه حتى مع استخدام استراتيجيات إدارة المخاطر، يظل المستثمر عرضة دائماً للمخاطر النظامية (systemic risk) عند الاحتفاظ بمراكز مفتوحة ليلاً. المخاطر النظامية هي أحداث كبرى تؤثر على السوق بأكمله، مثل الركود الاقتصادي أو الأزمات المالية العالمية. يصعب التنبؤ بهذه الأحداث وتجنبها تماماً، ولكن التنويع الجيد للمحفظة يساعد على تخفيف وطأتها.
المركز المفتوح والتداول اليومي
يتخصص المتداولون اليوميون بشراء وبيع الأوراق المالية خلال يوم التداول نفسه. تنتشر هذه الممارسة في أسواق العملات الأجنبية والأسهم. لكن تجدر الإشارة إلى أن المضاربة اليومية محفوفة بالمخاطر ولا تُناسب المتداولين المبتدئين.
يسعى المتداولون اليوميون جاهدين إلى إغلاق جميع مراكزهم المفتوحة قبل نهاية اليوم، إن لم ينجحوا بذلك، فهذا يعني أنهم مضطرون تحمل مخاطر بقاء مراكزهم مفتوحة طوال الليل أو لفترة أطول، مع احتمالية تقلب السوق.
عادة ما يكون المتداولون اليوميون خبراء منضبطين، لديهم خطة ويتمسكون بها. علاوة على ذلك، يتوفر لدى المتداولين اليوميين عادةً رأس مال كبير للمخاطرة في المضاربة اليومية. كلما كانت تحركات الأسعار أصغر، كلما تطلب الأمر المزيد من المال للاستفادة من تلك التقلبات.
إيجابيات المراكز المفتوحة
قبل استخدامك لاستراتيجية المركز المفتوح في التداول لابد لك من معرفة إيجابيات وسلبيات هذه الطريقة وسنبدأ بالايجابيات:
1. إمكانية تحقيق أرباح أكبر: الميزة الأهم للمراكز المفتوحة هي القدرة على الاستفادة من تحركات السوق الكبيرة على المدى الطويل. من خلال الحفاظ على المركز مفتوحاً لفترة أطول، يمكنك تحقيق مكاسب أكبر إذا ارتفع سعر الأصل بشكل ملحوظ.
2. مرونة في توقيت التداول: تتيح لك المراكز المفتوحة الدخول والخروج من السوق وفقًا لتوقيتك الخاص. يمنحك هذا الحرية القدرة على الانتظار بصبر حتى تتوفر ظروف السوق المثالية دون ضغوط صفقات التداول الملزمة بالوقت.
3. الكفاءة الضريبية: في بعض المناطق، يمكن أن يوفر لك الاحتفاظ بمراكز مفتوحة بدلاً من التداول المتكرر مزايا ضريبية. غالباً ما تكون معدلات ضريبة الأرباح الرأسمالية طويلة الأجل أكثر ملاءمة من المعدلات قصيرة الأجل التي تنطبق على المتداولين النشطين.
سلبيات المراكز المفتوحة
صحيح أن المراكز المفتوحة قد تحمل ميزات وايجابيات للمتداولين لكنها في نفس الوقت تملك بعض السلبيات والمخاطر، نذكر منها:
1. التعرض للمخاطر الليلية: يمكن أن تتغير ظروف السوق بشكل كبير ليلاً أو خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما تكون الأسواق مغلقة. هذه التغييرات المفاجئة، مثل الإعلانات الاقتصادية أو الأحداث الجيوسياسية، يمكن أن تؤدي إلى فجوات كبيرة في الأسعار تؤثر على المراكز المفتوحة عند إعادة فتح السوق.
2. متطلبات الهامش: تتطلب المراكز المفتوحة، وخاصة المراكز ذات الرافعة المالية (المضمونة)، جزءاً من قيمة العقد الكاملة كهامش. إذا تحرك السعر ضدك، فقد تواجه مطالبات الهامش لإيداع أموال إضافية أو يتم إغلاق المركز بشكل قسري بخسارة.
3. الضغوط النفسية: الاحتفاظ بمراكز مفتوحة أيضاً يشكل ضغطاً نفسياً على المتداول، خاصة إذا كان المركز خاسراً، يمكن أن تؤثر القرارات العاطفية على إدارة هذه المراكز وتؤدي إلى نتائج كارثية.
كيف تقرر زمن إغلاق مركز مفتوح
يعتمد زمن إغلاق مركز مفتوح على عدة عوامل وهي:
- استراتيجية التداول: تختلف استراتيجيات التداول من حيث مدة الاحتفاظ بالصفقات. فبينما يعتمد بعضها على المضاربة قصيرة الأجل، يركز البعض الآخر على الاستثمار طويل الأجل.
- تحليل السوق: يتضمن تحليل ظروف السوق الحالية والمستقبلية، مثل الاتجاهات، والزخم، وحجم التداول، والمؤشرات الاقتصادية.
- الأهداف المالية: تضع أهدافك المالية حدودًا لمستويات الربح والخسارة المقبولة، مما يؤثر على قرارات الإغلاق.
- المخاطر المحتملة: تقييم المخاطر المتعلقة بالمراكز المفتوحة، بما في ذلك مخاطر السوق والرافعة المالية ومخاطر السيولة.
بعض تقنيات اتخاذ القرار الشائعة:
- وضع أوامر وقف الخسارة: يتم وضع أوامر وقف الخسارة تلقائياً لبيع أو شراء الأصل عند الوصول إلى مستوى سعر محدد، مما يحد من الخسائر المحتملة.
- تحقيق أهداف الربح: يتم إغلاق المركز عند تحقيق هدف الربح المحدد مسبقاً.
- التحليل الفني: استخدام مؤشرات الرسم البياني ومخططات الأسعار لتحديد نقاط الدخول والخروج المثالية.
- التحليل الأساسي: تحليل البيانات المالية للشركة أو السوق لتحديد قيمة الأصل الحقيقية.
- علم نفس السوق: فهم سلوكيات المتداولين وعواطفهم وكيفية تأثيرها على تحركات الأسعار.
هل توجد تكاليف مرتبطة بالمراكز المفتوحة أثناء التداول؟
نعم، غالباً ما يرتبط المركز المفتوح في التداول بتكاليف معينة، فعند الاحتفاظ بمركز مفتوح على الهامش، فأنت تقترض أموالاً. ومقابل ذلك، يتم فرض رسوم فائدة تُعرف باسم “رسوم التمويل”. تختلف هذه الرسوم تبعاً لسعر الفائدة الهامشي ومقدار الهامش المستخدم.
وفي الختام تذكر أن إتقان تسخدام المركز المفتوح في التداول هو رحلة تتطلب الصبر والتعلم المستمر، من خلال فهم المخاطر، واتباع استراتيجية مُحكمة، وإدارة عواطفك بذكاء، يمكنك تحويل المراكز المفتوحة إلى أدوات قوية لتحقيق أهدافك المالية في عالم التداول.