Search
Close this search box.

النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي: مشاكل وتحديات الفترة المقبلة

يبقى النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي مشكلة حقيقية تسبب ظهور نوعين من البلدان، بلاد شهدت نمو وتطور وانتعاش اقتصادي، وبلاد أخرى تكافح حتى الآن للحد من الآثار السلبية لوباء كوفيد 19، وغلاء المعيشة وغيرها من أزمات وحروب سياسية.

لكن ذلك لا ينفي المرونة الملحوظة في الاقتصاد العالمي مع انخفاض التضخم، حيث أشارت أحدث بيانات وتوقعات صندوق النقد الدولي إلى بقاء معدل النمو للعام الحالي 2024 وعام 2025 عند حدود 3.2%، مع توقع انخفاض متوسط التضخم الرئيسي من القيمة 2.8% في أواخر عام 2024 إلى القيمة 2.4% في نهاية عام 2025. ويتطرق مقالنا لليوم لأهم التحديات التي تواجه النمو الاقتصادي العالمي ككل، لذا تابع معنا القراءة لمعرفة المزيد.

النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي

لم يعد يخفى على أحد تأثير اضطرابات سلاسل التوريد بعد جائحة كوفيد 19، وما تلاها من أزمات متتالية متمثلة بمشكلة الطاقة، وأزمة الغذاء بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وما رافق ذلك من ارتفاع في معدلات التضخم. فضلًا عن التشدد في السياسة النقدية في معظم أنحاء العالم وبشكل متزامن.

ونتيجة لتلك الأسباب السابق ذكرها، سجل النمو الاقتصادي العالمي أدنى مستوى له في أواخر عام 2022، حيث بلغ نسبة قدرها 2.3% بعد مدة زمنية قصيرة كان قد وصل فيها متوسط التضخم الرئيسي إلى أعلى ذروة له وهي 9.4%.

إلا أن الإيجابية في التوقعات الاقتصادية تشير إلى بقاء معدلات النمو لعامي 2024 و2025 عند حدود 3.2%، مع انخفاض متوسط التضخم الرئيسي من النسبة 2.8 لعام 2024 ليصل إلى 2.4% في أواخر عام 2025.

تأثير النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي

من ناحية أخرى، يغير النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي من الآثار الاقتصادية التي شهدها العالم بعد عام 2019 أي بعد وباء كوفيد 19 فمثلًا:

  • هناك بلدان مصنفة من بين الاقتصادات القوية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند، اللتان تشهدان نموًا اقتصاديًا قويًا. في حين تتراجع الصين الشعبية من ناحية النمو بقليل من البطء.
  • كما تشهد أيضًا منطقة اليورو حالة من النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي، على سبيل المثال لنأخذ ألمانيا التي تقف على حافة الركود الاقتصادي بعد أن اعتمدت بطريقة مماثلة للصين على الطلب الخارجي، بدلًا من اعتمادها على سياسة تحفيزية محلية. مما أثّر على علاقاتها التجارية الخارجية والنمو الاقتصادي العالمي. في الوقت نفسه الذي سجل فيه كل من الاقتصاد الإسباني والإيطالي أداءً جيدًا وأعلى من التوقعات. أما بالنسبة للبلدان النامية، فهي الأخرى تتخبط ضمن الدخل المنخفض والنتائج التعيسة للوباء على اقتصادها، هذا فضلًا عن الآثار الجيوسياسية للعديد من الأزمات عليها.

(ننصحك بقراءة مقالنا حول: توقعات اقتصاد عام 2024 إلى أين تتجه أسعار الفائدة والتضخم).

تباين النمو في الاقتصادات المهمة

من الأمور التي يتجلى فيها النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي هي الفروقات بين النتائج الاقتصادية الحقيقية وبين الأسواق المالية، فعلى الرغم من النمو الضعيف واعتماد السياسات النقدية المتشددة في عدد من البلدان، إلا أن أسواق الأوراق المالية فيها قد تكون مرتفعة.

حيث من الممكن أن تسبب أرباح أسواق الأسهم ارتفاع لا بأس به في النمو الاقتصادي العالمي لعام 2024، سيما في حالة استمرار متوسط التضخم في الانخفاض. وهو الأمر الذي يسمح للبنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة.

إلا أن التوترات والأزمات الجيوسياسية وغيرها من المشكلات الداخلية السياسية ستؤثر بالتأكيد على النمو. لذلك، توضح لك القائمة التالية سلوك بعض الاقتصادات العالمية وسياساتها من أجل النمو الاقتصادي:

  • الاقتصاد الأمريكي: يصنف الاقتصاد الأمريكي من بين الاقتصادات العالمية الكبرى، وقد تمكن من الصمود من خلال ارتفاع أسعار الأسهم وسوق العمل النشيطة التي مكنت من تعزيز ثقة كل من المستهلكين والشركات، وزادت من الطلب المحلي. هذا بالإضافة للهجرة التي ساعدت في الحفاظ على معدلات النمو دون التسبب في تفاقم التضخم. كل ذلك دون أن يقوم البنك الاحتياطي الفيدرالي بأي تخفيض على أسعار الفائدة التي تعتبر مرتفعة.

يبين الرسم التالي التأثير السلبي لجائحة كورونا على النمو الاقتصادي في أمريكا، والذي يعتبر الأعنف، حيث تسببت في انخفاض النمو بنسبة 32.9% هبوطًا.

تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد الأمريكي 2020
تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد الأمريكي 2020
  • الاقتصاد الياباني وبريطانيا: تقوم اليابان حاليًا بتطبيع سياستها النقدية، وتنعم حاليًا بحالة من الازدهار في سوق الأوراق المالية ما يمهد الطريق لنمو اقتصادي معتدل خلال العام المقبل. أما بريطانيا، فتعاني من التضخم ومحدودية المرونة، ما يجعلها تقبع على حافة الركود لفترة طويلة خاصةً مع ما تعانيه من عدم استقرار سياسي داخلي في أراضيها.
  • الاقتصاد الصيني: يعاني الاقتصاد الصيني من مجموعة من التحديات أهمها العقارات (يمكنك أن تقرأ: أهم نصائح الاستثمار في العقارات) والأسهم وذلك على الرغم من الإجراءات التي اتخذت لإعادة بناء الثقة مع القطاع الخاص، لكن الأمر يحتاج للمزيد من الدعم المالي من أجل تخفيف الضغوط الانكماشية وتقليل ضعف الطلب، لينعكس ذلك بدوره على قطاع الاستثمار فيزيد من عدد المستثمرين سواء المحليين وحتى الأجانب.
  • الاقتصاد الهندي والاقتصاد الروسي: يرتفع سوق الأوراق المالية في الهند والتي تعتبر من البلدان الأسرع نموًا في العالم، حيث تعمل الحكومة على سياسات الانضباط المالي وتخفيض التضخم. لكن حتى مع الإجراءات السابقة، هناك ضعف في معدلات تشغيل العمالة. لذلك حتى تحافظ الهند على معدل النمو المرتفع عليها أن تتجه للاستثمارات في البينة التحتية، فضلًا عن إجراء إصلاحات في قطاع التعليم. أما في روسيا، فقد شهد الاقتصاد الروسي مرونة خلال عامي 2023 و2022، لكن ذلك لا ينفي تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية على اقتصاد البلاد.

تحديات النمو الاقتصادي العالمي

هناك العديد من التطورات الإيجابية في معدلات النمو العالمية، إلا أن المشاكل والتحديات والتي كانت من أسباب النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي، لا تزال قائمة، ونحن هنا بصدد ذكر أهمها وهي:

مخاطر التضخم

يشكل التضخم عائقًا حقيقيًا أمام النمو الاقتصادي العالمي، وتبقى الجهود مبذولة من أجل إعادة التضخم للمستوى المراد. وعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ في متوسط التضخم الرئيسي، إلا أن الهدف لم يحقق بعد.

حيث كان تضخم السلع وانخفاض أسعار الطاقة عمومًا مع تخفيض الصين لأسعار صادراتها سببًا في انخفاض التضخم. لكن من ناحية أخرى، كان للأزمات الحالية والتي من أهمها أزمة الشرق الأوسط التي بدأت منذ نهاية 2023، دور في بطء تقدم المساعي نحو تقليل التضخم، نتيجة ارتفاع تكاليف الشحن البحري بعد تحويل المسارات التجارية عن البحر الأحمر. ويبين الرسم البياني ذلك حسب مؤشر بورصة البلطيق للشحن التجاري للمواد الخام:

ارتفاع تكاليف الشحن البحري وتأثيرها على التضخم
ارتفاع تكاليف الشحن البحري وتأثيرها على التضخم

كما ارتفعت أسعار النفط بعد المشكلات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، هذا بالإضافة للقيود التجارية التي تم فرضها على الصادرات الصينية، وهو ما سينعكس بدوره على تضخم السلع ويسبب ارتفاعها. (ننصحك أيضًا بقراءة: أكثر 5 قطاعات تأثرًا بالتضخم).

والصورة التالية تبين تقديرات فجوات التضخم وفجوات الناتج في كل من الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ومنطقة اليورو وأستراليا. والتي تعكس صورة واضحة عن النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي.

حيث يعبر مصطلح فجوة التضخم عن الانحراف لتوقعات التضخم عن الهدف الموضوع من قبل البنك المركزي وهو مقدر بالنسبة المئوية. في حين يشير مصطلح فجوة الناتج عن الانحراف لإجمالي الناتج المحلي الفعلي عن المستوى المتوقع والممكن له في عام 2024، وهو مقدر بالنسبة المئوية أيضًا.

فجوات التضخم وفجوات الناتج في 2024
فجوات التضخم وفجوات الناتج في 2024

اتساع الفوارق الاقتصادية

حتى مع مرونة الاقتصاد العالمي إلا أن التباين بين اقتصادات الدول والنمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي واضح جدًا. مثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية، حقق الاقتصاد نمو قوي من ناحية الإنتاج والعمالة، لكن ذلك يشير أيضًا إلى الطلب الكبير في الاقتصاد. وبالتالي ينبغي تيسير السياسة النقدية من البنك الاحتياطي الفيدرالي عبر اتباع نهج تدريجي حذر.

من ناحية أخرى تشير التوقعات إلى مستويات منخفضة جدًا من الانتعاش الاقتصادي في منطقة اليورو، نتيجة السياسة النقدية المتشددة السابقة، كما أن استمرار تضخم الخدمات ونمو الأجور من الممكن أن يكون سببًا في تأخير التضخم وعودته للمستوى المستهدف.

لكن ومن ناحية أخرى، لا تمتلك منطقة اليورو إشارات تدل على فرط النشاط كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك، كل ما يمكن للبنك المركزي الأوروبي فعله هو التيسير النقدي لمحاولة الابتعاد قدر الإمكان عن انخفاض معدل التضخم تحت المستوى المطلوب.

أما في الصين، يعاني القطاع العقاري من أزمات انكماش مع مشكلة انخفاض الطلب المحلي. ومن ناحية أخرى، تظهر بلدان ذات اقتصادات ناشئة كبيرة تمتلك أداءً قويًا وتستغل عملية إعادة تشكيل سلاسل التوريد، كما أنها تستفيد من أي توترات تجارية بين الصين وأمريكا، ومن ضمن هذه البلاد الهند واندونيسيا وجنوب إفريقيا والأرجنتين والمكسيك.

المسارات السياسية

من أجل درء نتائج النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي، ينبغي على المتحكمين في السياسة إعطاء الأولوية للقرارات السياسية التي من شأنها أن تحافظ على مرونة الاقتصاد العالمي. وفيما يلي بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها:

  •   إعادة تشكيل الاحتياطات المالية: من الممكن لعمليات الضبط المالي التي تتسم بالمصداقية في وعودها أن تخفض تكاليف التمويل، وتحقق الاستقرار المالي أيضًا.
  •  تأثير الانتخابات السياسية بشكل كبير على الحيز الاقتصادي: حيث من الممكن أن تسبب في تأخير الخطط المالية أو حتى تأخير تطبيقها.
  •  تخصيص الموارد بشكل سريع وبكفاءة عالية: يساهم ذلك أيضًا وبشكل كبير في تعزيز النمو.
  • أما بالنسبة للدول ذات الدخل المنخفض: فيمكنها أن تتبع سياسات تخفيض كل من تكاليف الاقتراض واحتياجات التمويل من خلال تشجيع الاستثمار المحلي، بالإضافة للاستثمار الأجنبي. هذا فضلًا عن إمكانية تحسين رأس المال البشري، خاصةً مع امتلاك هذه الدول نسبة عالية من الشباب.
  • اتباع سياسات تعتمد الذكاء الاصطناعي: يسيطر الذكاء الاصطناعي على مختلف جوانب الحياة اليوم، لكن ماذا لو تم استغلال هذه التقنية العظيمة في تعزيز الإنتاجية؟. هذا ممكن، لكن لا بد مسبقًا للبلدان التي ترغب باستخدام تقنيات AI أن تطور من بنيتها الرقمية التحتية، وأن تضافر الجهود البشرية من أجل ذلك، بحيث يتم التنسيق بين الدول لتحقيق هذه الغاية. (قد يهمك أيضًا: أهم طرق الاستثمار في الذكاء الاصطناعي 2024).

في الختام:

من الممكن للسياسات المالية المدروسة بالإضافة لإجراءات تقليل الفوارق الاقتصادية بين البلدان وتأمين استقلالية البنوك المركزية، أن تساعد في ضبط النمو غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي.

خاصةً وأن أغلب التنبؤات والتوقعات اليوم تشير إلى احتمالية انخفاض التضخم العالمي إلى نسبة 5.9% لعام 2024 ولنسبة 4.5% لعام 2025، وذلك بعد أن كان قد سجل التضخم نسبة 6.8% في عام 2023. وهو بدوره ما يشير إلى استمرارية الاقتصاد العالمي في النمو بطريقة متسارعة قليلًا بالنسبة للدول المتقدمة، مقابل تباطؤ في النمو الاقتصادي بالنسبة للبلدان الصاعدة والنامية.

مشاركة
Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn
Telegram

اترك تعليقاً

جدول المحتوبات
راجع أيضا
Scroll to Top