حققت استراتيجية تجميع المهام نتائج مبهرة في علم الحاسوب، قبل أن ينتقل استخدامها فيما بعد إلى مجال الأعمال، فاستفاد منها المدراء التنفيذيون والخبراء، وحققوا على إثرها نجاحات مبهرة. كيف تعمل هذه الطريقة؟ وما مجال الاستفادة منها لإدارة المشاريع، وتحقيق الأهداف الشخصية والمهنية؟
نجيب في مقال اليوم عن هذه التساؤلات، ونقدم أفضل النصائح المتعلقة بالتطبيق الجيد لهذه الاستراتيجية على أرض الواقع، أخطاء شائعة، واستخدامات متعددة.
ماهي استراتيجية تجميع المهام
استراتيجية تجميع المهام هي استراتيجية إنتاجية، تعتمد على مبدأ تجميع المهام المتشابهة معًا، وإنجازها دفعة واحدة. تم استلهام هذه الاستراتيجية من آلية عمل النظم الحاسوبية، الهدف منها تجنب تعدد المهام، وزيادة مقدار الوقت المتاح، وزيادة الإنتاجية وصولا إلى عمل عالي الجودة.
الغرض الرئيسي من هذه الإستراتيجية هو تجنب “تبديل السياق”، المعروف أيضًا باسم القفز العقلي ذهابًا وإيابًا بين المهام (mentally jumping). لكن ما المقصود بابتدال السياق؟ وكيف يستطيع تجميع المهام تجنيبنا ابتدالات السياق المتعددة وتأثيراتها؟
تقليل ابتدال السياق باستخدام استراتيجية تجميع المهام
بدأ استخدام مصطلح “ابتدال السياق” في الحوسبة، لوصف كيفية قيام النظام بتشغيل عمليات متعددة في وقت واحد، من خلال التبديل بين هذه المهام المتعددة، والعمل على كل واحدة لفترة قصيرة ثم إخراجها واستبدالها بالثانية، وهكذا بشكل دوري حتى الانتهاء من العمل، والأمر أشبه بتشغيل تطبيقين مختلفين، والانتقال من أحدهما إلى الآخر.
يقوم دماغك بعملية مماثلة عندما يركز على مهمتين مختلفتين. إن كانت هذه العملية مثمرة بالنسبة للنظام الحاسوبي، وتساعده في تحقيق إنتاجية جيدة، إلا أنها ليست جيدة بالنسبة للإنسان، فهي تتطلب وقتًا وجهدًا عقليًا. وهذا ما أكدت عليه دكتورة سحر يوسف، أخصائية الأعصاب الإدراكية، جامعة كاليفورنيا في بيركلي عندما قالت أن: “العقل البشري يعمل بشكل أفضل عندما يركز على شيء واحد في كل مرة”.
لذا يساعد تجميع المهام على تقليل عدد مرات ابتدال السياق التي يجب القيام بها خلال اليوم (يمكنك الإطلاع على: تقنيات إدارة الوقت لأصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة).
تعددية المهام Multi Tasking
لنفهم بشكل جيد أهمية استراتيجية تجميع المهام، لابد أن ندرس النقيض، ونحيط بآثاره السلبية على الدماغ والأداء المعرفي العام. فيما يلي بعض الطرق الرئيسية التي يمكن أن يؤثر بها تبديل المهام وتعدديتها على دماغنا:
- انخفاض الإنتاجية: عند التبديل بين المهام، ينفصل عقلك عن إحدى المهام، ويعيد التركيز على الأخرى. يمكن أن تؤدي هذه العملية، المعروفة باسم تكلفة تبديل المهام، إلى انخفاض في الإنتاجية حيث يستغرق عقلك وقتًا للتكيف مع المهمة الجديدة. ( تشير الدراسات إلى أن المدة اللازمة لإعادة التركيز على المهمة الجديدة تقارب 23 دقيقة).
- زيادة الأخطاء: يؤدي تبديل المهام إلى ازدياد احتمالية حدوث الأخطاء لأن عقلك قد لا ينتقل بشكل كامل بين المهام، مما يؤدي إلى حدوث أخطاء أو سهو. وينطبق هذا بشكل خاص على المهام المعقدة أو التي تتطلب جهدًا معرفيًا واهتمامًا مركّزًا.
- ضعف الذاكرة: يؤدي التبديل المستمر بين المهام إلى إضعاف القدرة على الاحتفاظ بالذاكريات واسترجاعها. عندما يتنقل دماغك باستمرار بين المهام، فقد لا يقوم بتشفير المعلومات بشكل فعال، مما يجعل من الصعب تذكر التفاصيل أو التعليمات المهمة.
- انخفاض التركيز والانتباه: يؤدي تعدد المهام إلى تقسيم انتباهك، وتقليل قدرتك على التركيز على مهمة واحدة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى معالجة سطحية للمعلومات وانخفاض الفهم العام.
- زيادة التوتر: يؤدي تبديل المهام إلى زيادة مستويات التوتر حيث يحاول عقلك التوفيق بين مهام متعددة في وقت واحد. يمكن أن يؤدي هذا الحمل المعرفي المستمر إلى الشعور بالإرهاق والقلق وانخفاض الصحة العقلية.
- انخفاض الإبداع: يعيق تعدد المهام التفكير الإبداعي ومهارات حل المشكلات. عندما يتنقل عقلك باستمرار بين المهام، فقد لا تتاح له الفرصة للانخراط في التفكير العميق والمركّز الأساسي للإبداع والابتكار.
- ضعف اتخاذ القرار: يؤدي تبديل المهام إلى إضعاف قدرات اتخاذ القرار، فقد يواجه عقلك صعوبة في تقييم الخيارات والعواقب، واتخاذ خيارات مستنيرة عند التبديل المستمر بين المهام.
كيفية إجراء تجميع المهام Task batching
يعد تجميع المهام أسلوبًا بسيطًا لمساعدتك في إنجاز قوائم المهام الطويلة منها والمعقدة. فيما يلي الخطوات التي يمكنك اتخاذها لإنجاز المهام المجمعة بنجاح:
1- تصنيف المهام
دون جميع المهام الواجب القيام بها، ثم نظم مهامك حسب مستوى الجهد أو المشروع أو نوع الإجراءات اللازمة لإكمال المهمة، وهنا احرص على تحقيق التالي:
- عندما تصادف مهمة صعبة، تحتاج الكثير من الوقت مقارنة بغيرها، تأكد من تقسيم هذه المهمة إلى مجموعة من المهام الصغيرة، قبل البدء بعملية التصنيف.
- إن كنت تعمل في بيئة عمل ديناميكية، وتعاني من ظهور العديد من المهام بشكل مفاجئ، عندها يمكنك مراجعة مديرك للاستفسار عن مسؤولياتك، أو تفويضها إلى غيرك، فنجاح استراتيجية التجميع يتوقف على دقة التنظيم.
2- تخصيص الوقت
بمجرد تجميع المهام المتشابهة معًا، امنح نفسك متسعًا من الوقت لإكمال هذه المهام كلها مرة واحدة. من خلال تحديد الوقت اللازم لكل دفعة مهام، ثم الوقت المخصص لكل مهمة، تساهم هذه الطريقة في إعطائك رؤية موضوعية ومنظور عام حول كيفية سير الأمور، في هذه المرحلة من الهام جدا التقيد بما يلي:
- احرص على أن تكون منطقيا في اختيار الحدود والضوابط الزمنية المخصصة لكل مهمة، ولمجموعة المهام.
- اختر دفعة المهام الأكثر أولوية، وابدأ من المهام الأكثر صعوبة ( اقرأ مقال: ماهي مصفوفة إدارة الوقت وكيفية استخدامها )، يساعدك هذا المقال في معرفة أفضل طريقة لترتيب المهام حسب أولويتها.
- لا تسمح للمشتتات، والعوامل المبددة للوقت أن تلهيك عن أهدافك، وابقى متيقظا تجاه هذه العوامل وحاول التخلص منها.
3- التغذية الراجعة
اجعل من عملية تنظيم وقتك، عملية متواصلة، استفد من الأخطاء، وحلل النتائج بعناية، فالوصول إلى أفضل طريقة لتجميع مهامك هو أمر خاضع للتجربة، وعرضة للأخطاء لذا:
- ناقش النقاط الإيجابية والسلبية لكل عملية تجميع تقوم بها.
- التزم بالتحسين المستمر، ووضع حلول للمشكلات.
- اطلب المشورة عند الضرورة، بإمكانك سؤال مديرك في العمل أو أحد زملائك عن رأيه، فلربما يشير عليك بطريقة فعالة لإدارة الوقت (قد يهمك: أهم نصائح و أسرار إدارة الوقت).
أمثلة عملية عن استخدم استراتيجية تجميع المهام
مع ازدحام المسؤوليات وكثرة المهام، قد يصعب فهم كيفية تطبيق استراتيجية تجميع المهام، لذا نقدم لكم مجموعة من الأمثلة الواقعية المساعدة:
- إدارة البريد الإلكتروني: بدلاً من الرد على رسائل البريد الإلكتروني عند ورودها على مدار اليوم. قم بتجميع ردود بريدك الإلكتروني في أوقات محددة. يمكن أن يساعدك هذا على الاستمرار في التركيز على المهام الأخرى دون انقطاعات مستمرة.
- جدولة وسائل التواصل الاجتماعي: بدلاً من النشر على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متقطع، قم بإنشاء محتوى الوسائط الاجتماعية الخاص بك، وجدولته في أوقات محددة خلال الأسبوع. يساعدك هذا في الحفاظ على تواجد ثابت عبر الإنترنت دون الحاجة إلى التفكير باستمرار فيما تريد نشره بعد ذلك.
- إعداد الوجبات: بدلاً من طهي وجبات الطعام واحدة تلو الأخرى، قم بطهي وجباتك على مدار الأسبوع في جلسة واحدة. يوفر لك ذلك الوقت خلال الأسبوع، ويضمن حصولك على وجبات صحية جاهزة للاستخدام.
- النزهات: عوضا عن تنفيذ النزهات فور ظهورها، قم بتجميعها في رحلة واحدة. يوفر ذلك الوقت والطاقة من خلال دمج المهام دفعة واحدة.
- الكتابة: بدلاً من الكتابة قليلاً هنا وهناك، قم بتجميع جلسات الكتابة في فترات زمنية أطول. يساعدك هذا في الوصول إلى حالة من التدفق، وإنتاج المزيد من الأعمال عالية الجودة.
يمكنك الإطلاع على: التوازن بين العمل والحياة: كيف أحقق مايعرف ب Work-life balance
خطوات عملية لتعزيز تجميع المهام في مكان عملك
إن كنت مديرا، وتعمل على تعزيز تجميع المهام في مكان عملك، يمكنك اتباع الخطوات التالية:
- قم بتثقيف فريقك: ابدأ بتثقيف فريقك حول فوائد تجميع المهام، مثل: زيادة الإنتاجية والكفاءة والتركيز. اشرح كيف يمكن أن يساعد تجميع المهام في تقليل عوامل التشتيت، وتحسين جودة العمل بشكل عام.
- توفير التدريب: قدم دورات تدريبية أو ورش عمل حول تقنيات تجميع المهام وأفضل الممارسات. شارك النصائح والأدوات التي يمكن أن تساعد الموظفين على تجميع مهامهم بشكل فعال.
- كن قدوة يحتذى بها: أظهر لفريقك كيفية عمل تجميع المهام من خلال تنفيذه في روتين عملك. أظهر التأثير الإيجابي الذي يحدثه على إنتاجيتك، وشجع فريقك على أن يحذو حذوك.
- شجع التعليقات: شجع التواصل المفتوح والتعليقات من فريقك فيما يتعلق بتجاربهم في تجميع المهام. استمع إلى تحدياتهم واقتراحاتهم للتحسين، وقم بإجراء التعديلات حسب الحاجة.
- التقدير والمكافأة: قم بتكريم ومكافأة الموظفين الذين نجحوا في تنفيذ تجميع المهام في روتين عملهم. احتفل بإنجازاتهم وشارك قصص نجاحهم لإلهام الآخرين لتبني هذه الممارسة.
أدوات مساعدة في تطبيق استراتيجية تجميع المهام
فيما يلي قائمة بأفضل أدوات تجميع المهام التي يمكن أن تساعدك أنت وفريقك في تنفيذ عملية التجميع بشكل فعال في مكان العمل:
- Trello: أداة شائعة لإدارة المشاريع، تتيح لك إنشاء اللوحات والقوائم والبطاقات لتنظيم المهام، وتحديد أولوياتها. يمكنك استخدام Trello لتجميع المهام المتشابهة معًا وتتبع تقدمها.
- Asana: هي أداة أخرى لإدارة المشاريع، تمكن الفرق من إنشاء المهام، وتعيينها لأعضاء الفريق، وتحديد المواعيد النهائية، وتتبع التقدم. يمكنك استخدام Asana لتجميع المهام وتبسيط سير عملك.
- Todoist: هي أداة لإدارة المهام، تساعدك على إنشاء قوائم المهام، وتحديد الأولويات، وجدولة المهام. يمكنك استخدام Todoist لتجميع المهام المتشابهة معًا، وإدارة عبء العمل اليومي بكفاءة أكبر.
- Microsoft To-Do: هو تطبيق بسيط لإدارة المهام، يسمح لك بإنشاء قوائم، وتعيين تذكيرات، وتنظيم المهام حسب تاريخ الاستحقاق أو الفئة. يمكنك استخدام Microsoft To-Do لتجميع المهام والبقاء مطلعًا على عملك.
- تقويم Google: عبارة عن أداة تقويم متعددة الاستخدامات، تمكنك من جدولة المهام، وتعيين التذكيرات، وحجب الوقت لأنشطة معينة. يمكنك استخدام تقويم Google لتجميع المهام، وإنشاء فترات زمنية مخصصة للعمل المركّز.
- تطبيقات تقنية بومودورو: تساعدك تطبيقات تقنية بومودورو مثل: Focus Booster أو Tomato Timer على تقسيم عملك إلى فترات زمنية مركزة (بومودورو) مع فترات راحة قصيرة بينها. يمكنك استخدام هذه التطبيقات لتجميع المهام ضمن كل جلسة بومودورو (يمكنك الإطلاع على تقنية بومودورو وغيرها من الاستراتيجيات بمراجعة المقال التالي:أهم استراتيجيات تنظيم الوقت لإنجاز الأعمال).
- RescueTime هي أداة لتتبع الوقت تساعدك على مراقبة أنشطتك اليومية، وتحديد أنماط الإنتاجية. يمكنك استخدام برنامج RescueTime لتحليل كيفية قضاء وقتك، وتجميع المهام المماثلة لزيادة الكفاءة.
لتحقيق الاستفادة القصوى من استراتيجية تجميع المهام، ولضمان وصولك إلى أفضل النتائج، أضف هذه الاستراتيجية إلى روتينك اليومي، والتزم بأهم النصائح والطرق العملية التي قدمناها في هذا المقال، عندها ستصبح أكثر إنتاجية وحماسا على العمل.