تزداد أهمية تنظيم الوقت يوما بعد يوم، سيما مع كثرة المشتتات والأنشطة المبددة للوقت، حيث تظهر الدراسات أن الشخص العادي يخسر شهرًا من حياته كل عام دون أن يفعل شيئًا. أي ما يصل إلى أكثر من 12 ساعة من الوقت الضائع على مدار أسبوع، وأكثر من 624 ساعة سنويًا. من هنا تأتي أهمية مصفوفة أيزنهاور، باعتبارها حلا حكيما لمعالجة هذه المشكلة، واحتراف مهارة إدارة الوقت، نتعرف في هذا المقال على ماهي مصفوفة إدارة الوقت وكيفية استخدامها، دون أن نبخل عليكم بالكثير من الأمثلة العملية، والنصائح الخاصة لنجاح هذه الطريقة.
الإنتاجية مقابل إدارة الوقت
يعتقد الكثيرون أن السبب الأساسي لانشغالهم، وعدم نجاحهم في تحقيق مساعيهم هو قلة الانتاجية، لذا يبحثون عن حلول تتمحور حول العمل أكثر وبجهد أكبر أو لوقت أطول، غير مدركين أن الحقيقة غير ذلك، فالمشكلة غالبًا ما تتعلق بنقص الخبرة في مهارة إدارة الوقت، ومعها موضوع تحديد الأولويات والمهام التي سنركز عليها.
وهذا ما يفسر في الوقت ذاته أن تحديد الأولويات تعتبر مهارة متقدمة، القليل فقط من الأشخاص يحسنون استخدامها، فهي تتطلب الكثير من الموضوعية ونظرة استراتيجية لا تكتسب بيوم وليلة، مما يوصلنا إلى أفضل طريقة لتنمية وإتقان هذه المهارة ألا وهي مصفوفة أيزنهاور.
يمكنك الإطلاع على: أفضل أفكار المشاريع الصغيرة برأس مال بسيط
ماهي مصفوفة إدارة الوقت
مصفوفة إدارة الوقت هي تقنية فعالة لإدارة الوقت اعتمادا على تصنيف المهام بناء على درجة أهميتها وعجلتها، فأي مهمة وفقا لهذة الطريقة ستلائم واحدة من الحالات الأربعة التالية: عاجل وهام، عاجل وغير هام، غير عاجل وهام، غير عاجل وغير هام.
تساعد هذه الطريقة الأفراد في التركيز على المهام الهامة ذات التأثير الكبير على إنتاجيتهم ونموهم المهني والشخصي، بدلا من تضيع الوقت في الالتفاف حول المهام اليومية غير الهامة.
تعود فكرة هذه المصفوفة إلى رئيس الولايات المتحدة أيزنهاور استخدمها لسنوات طويلة في إدارة وقته، لذا عرف عنه إنتاجيته العالية، بعدها بسنوات أصبحت هذه الطريقة واحدة من أشهر الطرق في إدارة الوقت وترتيب الأولويات، مستخدمة من قبل ملايين الأشخاص حول العالم.
مكونات مصفوفة إدارة الوقت
تقسم مصفوفة إدارة الوقت إلى أربعة أرباع، يختص كل واحد منها بنوع معين من المهام، وهي:
الربع الأول: المهام الهامة والعاجلة
يختص هذا الربع بالمهام التي تتطلب انتباها ومعالجة مباشرة، ولا تتحمل التأخير، تلك المهام التي ينبغي أن تحظى بأعلى أولوية، وأن نعطيها كامل الإنتباه والجهد في سبيل إنهائها. على سبيل المثال:
- الاستجابة لحالة طارئة أو كارثة: حصول ماس كهربائي أو تسرب المياه إلى مكان العمل.
- المشاريع والوظائف التي اقتربت من وقت التسليم النهائي: مشروع يجب تسليمه خلال اليومين القادمين.
- الواجبات العائلية الطارئة: كزيارة الطبيب.
يمكنك الاطلاع على: خطوات إجراء دراسة جدوى مشروع ما
قواعد التعامل مع المهام الهامة والعاجلة
- ينصح بالتعامل الفوري والحذر عند التعامل مع المهام من هذا النوع، فإهمالها سيكون سبب في خسارة الفرص أو تفاقم المشكلات.
- إن الاستمرار في العمل ضمن هذا الربع، وبالرغم من أهميته إلى أنه قد يقود إلى التوتر والتعب وانخفاض الإنتاجية مع الوقت. لذا تشير الأبحاث في هذا المجال إلى أهمية الموازنة بين العمل على إنجاز المهام في هذا الربع، وإنجاز المهام في الربع الثاني (المهام الهامة وغير العاجلة).
- الحفاظ على مستوى عال من التركيز أثناء إنجازها.
- عدم الاستجابة للمشتتات والمقاطعات.
الربع الثاني: المهام الهامة وغير العاجلة
يختص هذا الربع بالأعمال الهامة لتحقيق الأهداف طويلة المدى سواء الشخصية أو المهنية، ولكنها غير مقترنة بوقت نهائي للتسليم، ورغم أن المهام في هذا القسم تملك الأثر الأكبر في عملك وحياتك الشخصية إلا أنها تخضع للتأجيل بفعل النوع الأول من المهام (مهام الربع الأول العاجلة والهامة). أمثلة على المهام الهامة وغير العاجلة:
- البدء بدورة تدريبية جديدة لتعلم مهارة القيادة.
- التخطيط ووضع الأهداف المهنية للعام القادم.
- الإنتباه إلى الصحة النفسية والجسدية كممارسة التأمل والتمارين الرياضية.
قواعد التعامل مع المهام الهامة وغير العاجلة
- من الهام جدا، تخصيص بعض الوقت والجهد لأداء المهام في هذا القسم كالمهام المتعلقة بالتخطيط والجدولة والتعلم والتطوير الذاتي.
- نتائج إهمال إنجاز هذه المهام سيئة على المدى الطويل، فمثلا عدم تعلم مهارات التواصل في العمل ربما يسبب لك الكثير من المشكلات في المستقبل، أو عدم اتقانك لغة ثانية سيسبب خسارتك لفرصة عمل هامة جدا.
- الإدارة الجيدة للوقت في هذا الجزء ذات تأثير كبير على المستقبل. (يمكنك الإطلاع على: هل يكفي الشغف للنجاح؟ أسباب فشل المستثمر العاطفي)
الربع الثالث: المهام العاجلة، وغير الهامة
هي صنف المهام المستعجلة التي يجب التعامل معها فورا، ولكنها لا تملك أي تأثير على أهدافك المستقبلية المهنية والشخصية منها، مما يجعل الكثيرين يطلقون عليها اسم مبددات الوقت. أمثلة على المهام العاجلة وغير الهامة:
- الرد على الإيميلات والاتصالات الهاتفية.
- زيارة مفاجئة من صديق.
كيفية التعامل مع المهام العاجلة وغير الهامة
تتمحور الإدارة الفعالة والمثمرة للوقت في تقليل الوقت المصروف على هذا النوع من النشاطات غير الهادفة. وذلك من خلال اتباع القواعد التالية:
- لا تسمح للمهام في هذا القسم بمقاطعة المهام العاجلة والضرورية.
- لا تعطي هذه المهام الكثير من الوقت.
- اجمع هذه المهام في مجموعة واحدة، وحاول إنجازها دفعة واحدة.
- حاول تفويض هذه المهام أو مشاركتها مع باقي أفراد الفريق.
- استخدم مفهوم التجميع ومعالجة الدفعات للتعامل معها، كتخصيص نصف ساعة لإنجاز جميع المهام من هذا النوع.
- استخدم البرامج والتقنيات إن أمكن لأتمتة المهام من هذا النوع.
الربع الرابع: المهام غير العاجلة، وغير الهامة
تتميز المهام من هذا النوع بأنها لا تملك وقت انتهاء محدد، وليس لها أي تأثير طويل المدى على مستقبل الشخص ونجاحه المهني أو الشخصي. لذا تعرف بالمهام القاتلة للوقت أو المبددة له (Time- killer). أمثلة عن مهام الربع الرابع:
- مشاهدة التلفاز.
- التسوق.
- المشاركة في حدث اجتماعي غير مهم.
يمكنك الإطلاع على: كيف يفكر الأثرياء: استراتيجيات الاستثمار لدى الأثرياء
كيفية التعامل مع المهام غير العاجلة، وغير الهامة
تقليل الوقت المخصص لهذا النوع من المهام سيكون عامل حاسم في صياغة مستقبلك وتحقيق الازدهار المهني والشخصي. لذا حاول تقليلها أو اعهد بها لشخص آخر. دون أن تبالغ في اعتبار كل النشاطات الترفيهية ضمن هذا الصنف غير هامة ويجب الغاؤها، فمثلًا ممارسة هواية أو الترويح عن النفس بنزهة على الأقدام ذات تأثير كبير على الصحة النفسية والعقلية، لذا ينبغي عليك أن تكون معتدلا تجاه هذا النوع من المهام.
كيفية استخدام مصفوفة إدارة الوقت
بعد فهم ماهي مصفوفة إدارة الوقت، وما هي مكوناتها أصبح بالإمكان مناقشة طرق استخدام هذه المصفوفة:
- ضع قائمة بجميع المهام الواجب عليك إنجازها
- صنف هذه المهام حسب الأولوية وفق الملاحظات والتصنيفات التي تحدثنا عنها مسبقا.
- تعلم تصنيف المهام بسرعة اعتمادا على الإجابة عن السؤالين التاليين: هل تخدم هذه المهمة أهدافي المهنية أو الشخصية؟ هل سأعاني من نتائج وخيمة إن لم أتعامل معها في أسرع وقت.
- في حال أجبت بالإيجاب على هذين السؤالين عندها ضع المهمة في الربع الأول.
- إن أجبت بنعم، ثم لا ضع هذه المهمة في الربع الثاني.
- في حال الإجابة بلا ثم نعم، ضعها في الربع الثالث.
- في حال الإجابة بلا على كلا السؤالين، عندها ضع المهمة في الربع الرابع والأخير.
- جدولة الوقت: تأكد من تحديد وقت مخصص لكل نوع من المهام، مع مراعاة تخصيص وقت للمهام المندرجة تحت النوع الثاني، لأن العمل عليها يقلل الحالات الطارئة ويساعد في تحقيق أهداف طويلة المدى.
- التفويض: حدد قائمة بالمهام التي يمكنك تفويضها لغيرك من الأشخاص، هذا سيجعل لديك المزيد من الوقت للتركيز على الأعمال الهامة والمؤثرة في حياتك.
- الأتمتة: ابحث عن الحلول المؤتمتة التي من شأنها أن تقلل الوقت اللازم لإنجاز عمل ما، فعلى سبيل المثال، بإمكانك استخدام ال chatbot المدعومة بالذكاء الاصطناعي للإجابة عن أسئلة المتابعين لمدونتك.
- الاستعانة بمصادر خارجية: تقدم بعض المواقع والشركات خدمات منوعة ورديفة لك، كصياغة بعض الرسائل أو تجهيز بعض الملفات. يمكنك الاستعانة بها للاستفادة إلى أقصى حد من وقتك.
- استخدام مانع المقاطعات: أصبح هنالك الكثير من التطبيقات التي تمنع المقاطعات، وتوقف الإشعارات وتمنعك من الدخول إلى تطبيقات الدردشة والألعاب أثناء العمل، ومنها: تطبيق Flipd و monday. (يمكنك الإطلاع على: أهم طرق الربح من الذكاء الاصطناعي)
فوائد استخدام مصفوفة إدارة الوقت
إن مصفوفة إدارة الوقت غير مخصصة فقط لمدراء الأعمال والمحترفين وأصحاب المشاريع، فهي أداة فعالة لأي شخص، سواء كان طالبا جامعيا، أو مدرسا، أو صاحب مشروع صغير، وذلك للأسباب التالية:
- تساعدك على التنظيم: فمن خلال مصفوفة إدارة الوقت يمكنك تصنيف المهام وتنظيم العمل وفق هذه المصفوفة، وتحديد ما يتوجب عليك فعله الآن وما يحتمل تأجيله.
- تسمح لك بتطوير مهارة التخطيط وتحويلها من مهمة معقدة ومملة إلى مهمة سهلة يمكن إنجازها بوقت قصير.
- زيادة التركيز وتقليل المشتتات: يميل الإنسان بطبيعته إلى تفضيل البدء بالأعمال السهلة والصغيرة، وتأجيل الأمور الهامة، أو السماح للمقاطعات والأحداث الثانوية بأن تشتت تركيزه، وتعيقه عن إكمال ما بدأ به، إلا أن مصفوفة أيزنهاور تزيد من مستوى التركيز والانتاجية، وذلك من خلال توجيه التركيز إلى المهام الهامة.
في الختام، تؤكد الدراسات على وجود علاقة بين إدارة الوقت، والنجاح المهني والشخصي، واليوم أكثر من أي وقت مضى، تزداد أهمية الإنتاجية في بيئات العمل الضاغطة والديناميكية. لذا لابد من التحلي بالحكمة والصبر لتعلم مهارة إدارة الوقت، كما ننصح بتقبل الإخفاقات الصغيرة والتحلي بروح المثابرة.