تعويم العملة، يدل على تسريح الحكومة لسعر عملة ما مقارنةً بعملات أخرى. بحيث يختلف سعر الصرف العائم عن سعر الصرف الثابت في سوق الصرف الأجنبي. بالتالي يتم تحرير سعر صرف العملة بشكل كامل، وتصبح غير مقيدة بأي حدود تجارية أو حكومية. أي لا تتدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديد سعرها بشكل مباشر. ويتم إفراغها في سوق العملات من خلال آلية عرض وطلب تحدد سعرها مقابل العملات الأجنبية.
بالتالي يمكن أن تتقلب أسعار صرف العملات العائمة عدة مرات في اليوم، وذلك مع الاختلاف في العرض والطلب على العملات الأجنبية. وانطلاقًا من أهمية هذا الموضوع في الأسواق المالية العالمية اخترنا لكم مقالنا اليوم لنوضح ما هو تعويم العملة، وأهم أنواعه. كما سنوضح لك عزيزي القارئ أهم الأسباب التي أدت إلى تعويم بعض العملات، وفوائد ومخاطر ذلك. تابع معنا قراءة هذا المقال إلى النهاية لنتعرف على هذه العناوين سويةً.
تعويم العملة أو مايعرف بسعر الصرف العائم
تعويم العملة أو سعر الصرف العائم، هو نظام يتم فيه تحديد سعر عملة ما من خلال سوق الفوركس بناءً على العرض والطلب بالنسبة لعملات أخرى أجنبية. إذ يتأثر العرض والطلب غالبًا بعدة عوامل مثل التجارة العالمية وأسعار الفائدة والاستثمار الأجنبي والدولي وغيرها. حيث تحدد حكومات الدول أسعار الصرف المتاحة لعملة بلادها إما كليًا أو جزئيًا. بالتالي تصبح العملة ذات سعر الصرف العائم متاحة بحرية للشراء في أسواق الصرف الأجنبي. وأصبحت هذه الطريقة أكثر شعبية بعدما فشل معيار الذهب واتفاقية بريتون وودز.
وعليه تتأثر أسعار الصرف العائمة بالمضاربة وقوى العرض والطلب. بالتالي أي زيادة في العرض وانخفاض في الطلب سيؤدي إلى انخفاض سعر العملة. وأي زيادة في الطلب وانخفاض في العرض سيؤدي إلى رفع سعرها. لذلك يكون لها تأثير كبير على الطريقة التي تستطيع بها الدولة تحريك تجارتها وتنظيم اقتصادها. فكلما زادت قيمة العملة زادت القدرة على الاستيراد، وكلما قلت قيمتها زادت القدرة على التصدير.
كما أن تغير أسعار الصرف العائمة على المدى الطويل يعكس القوة الاقتصادية النسبية وفوارق أسعار الفائدة بين البلدان. أما تغيرها على المدى القصير قد يؤدي إلى تدخل البنوك المركزية والحكومات كونه يؤثر سلبًا على اقتصاد الدول. مما يؤثر على التجارة العالمية والقدرة على سداد الديون.
أنواع سعر الصرف العائم
في الحقيقة تستخدم أغلب الدول نوعين من أنواع تعويم العملة، هما:
- التعويم الخالص أو الحر: الذي يشير إلى الحرية الكاملة لتغيير وتحديد سعر الصرف في أي وقت تبعًا لآلية العرض والطلب وقوى السوق. وذلك دون تدخل الدولة، لكن مع تدخل السلطات النقدية في التأثير على سرعة تغير الصرف دون التدخل في الحد من هذا التغير. وقد تم تطبيق هذا النوع من التعويم على الجنيه الإسترليني.
- التعويم الموجة أو المُدار: وهو تحرير سعر الصرف وفقًا لقوى السوق والعرض والطلب. لكن تتدخل الدولة في هذا النوع من التعويم من خلال المصرف المركزي عند الحاجة. من خلال توجيه سعر الصرف إلى ناحية محددة مقابل عملة أجنبية. ويتم استخدام هذا النوع من التعويم كنوع من أنواع الاستجابة لبعض المؤشرات الاقتصادية، مثل معدل الفجوة بين العرض والطلب في سوق العملات.
كيفية ظهور فكرة أسعار الصرف العائمة
في يوليو 1944 تم عقد مؤتمر بريتون وودز الذي أقر معيار الذهب للعملات. حيث اجتمعت 44 دولة من الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وقد أقر المؤتمر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووضع معايير وأسس لنظام سعر الصرف الثابت. حيث ربطت الدول المشاركة عملتها بالدولار، وحدد المؤتمر سعر الذهب بمقدار 35 دولارًا للأونصة. كما سُمح بإجراء بعض التعديلات بما يقارب 1% زيادة أو نقص. بالتالي أصبح الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية التي قامت من خلالها البنوك بتعديل أسعار الفائدة واستقرارها.
لكن في عام 1967 ظهرت أول مشكلة كبيرة مع بدء التهافت على الذهب، والهجوم على الجنيه البريطاني. حيث أدى ذلك إلى انخفاض قيمة العملة بمقدار 14.3%، لذلك تم إخراج الولايات المتحدة الأمريكية من معيار الذهب في عام 1971. وفي نهاية عام 1973 انهار نظام معيار الذهب، وتم السماح لجميع الدول المشاركة بتعويم عملاتها بحرية.
أسباب تعويم العملة
اضطرت الكثير من الدول إلى اتباع فكرة تعويم أسعار العملة للعديد من الأسباب، نذكر منها ما يلي:
- للمحافظة على احتياطي الدولة من النقد الأجنبي، بهدف السيطرة على الاستيراد العشوائي وتقليل حجم الواردات.
- وبسبب معدل النمو الاقتصادي المرتفع والقوي لبعض البلدان الصناعية المتقدمة، مثل اليابان وألمانيا وأوروبا. حيث دخلت هذه الدول في منافسة قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
- كما أن اختلاف مستوى التضخم بين الدول الصناعية المتقدمة يؤثر على أسعار الفائدة، بالتالي يؤثر على سعر صرف العملات.
- ارتفاع معدل الإنفاق الأمريكي الذي يشمل الإنفاق على الاستثمار وتمويل بعض الحروب وغيرها. وهذا ما أدى إلى وجود عجز كبير في ميزانية المدفوعات الأمريكية.
- أيضًا التنافس العالي جدًا بين الدول الصناعية يعتبر من أهم أسباب تعويم العملات.
- فقر الاقتصاد الدولي للسيولة وانهيار نظام بريتون وودز نتيجة عجز في الميزان التجاري.
تأثير نظام سعر الصرف على التضخم والنمو
يؤثر نظام سعر الصرف على التضخم والنمو، والكثير من الأدلة تشير إلى وجود علاقة قوية بين اختيار نظام سعر الصرف وأداء الاقتصاد. فمن الممكن أن يؤدي اعتماد سعر الصرف الثابت إلى انخفاض التضخم وزيادة الاستثمار، لكن سيؤدي أيضًا إلى تباطؤ النمو في الإنتاجية. وذلك لأن البلدان ذات التضخم المنخفض عادةً ما تكون أكثر قدرة على الحفاظ على سعر صرف ثابت. كما أن تحديد سعر صرف ثابت بشكل خاطئ قد يؤدي إلى سوء تخصيص في الموارد.
في الوقت نفسه فإن سعر الصرف العائم يؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم، بالإضافة إلى رفع نسبة أسعار الفائدة. وهذا ما يؤثر بشكل مباشر على الاستثمار بالعملة الوطنية، ويؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة وارتفاع أسعار المنتجات المستوردة.
لماذا تلجأ الدول لتعويم عملتها وعلاقته بصندوق النقد
تلجأ الدول إلى تعويم عملتها عندما تعاني من أوضاع اقتصادية ومالية غير مستقرة، وعندما تنشط فيها الأسواق السوداء وتكثر فيها حيازة العملات الأجنبية. بالتالي تكثر المضاربات ويخرج وضع صرف العملة من يد البنك المركزي والمصارف المالية. كما أن استمرار العجز في ميزان المدفوعات لفترة طويلة وزيادة السلع المستوردة عن المصدرة يؤدي أيضًا إلى لجوء الدول لتعويم عملتها.
بالتالي تجد الدولة نفسها في وضع اقتصادي صعب ومترتب عليها التزامات أكبر من طاقتها بكثير. وتصبح مضطرة للاستدانة بشكل كبير كون موارد النقد الأجنبي خارج سيطرتها. لذلك تلجأ إلى تعويم عملتها ضمن برنامج اقتصادي يحاول الوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي.
وعليه تعتبر عملية تعويم العملة من وصايا صندوق النقد الدولي، إضافة إلى العديد من الإجراءات كتحرير سعر الفائدة، وتقليل عدد العاملين في القطاع العام، وتحرير التجارة الخارجية، وتبني برامج لخصخصة القطاع العام، وفتح المجال للاستثمارات الأجنبية.
فوائد تعويم العملة
في الواقع يكون لسعر الصرف العائم العديد من الفوائد، نذكر منها ما يلي:
- استقرار ميزان المدفوعات، فأن أي خلل في هذا الميزان سيؤدي تلقائيًا إلى تغيير سعر الصرف. فإذا كان الخلل في التوازن عبارة عن عجز سيؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة العملة، وتصبح الصادرات أرخص.
- يمكن تداول العملات العائمة دون أي قيود على عكس العملات ذات أسعار الصرف الثابتة. بالتالي لا تحتاج الحكومات والبنوك إلى متابعة الإدارة باستمرار.
- تعزز العملات العائمة من كفاءة السوق، إذ تؤثر على أساسيات الاقتصاد الكلي لكل الدول على سعر الصرف المتغير في الأسواق المالية العالمية. وهذا ما يؤثر بشكل مباشر على تدفق المحافظ بين البلدان.
- عند تعويم العملات لا تحتاج البنوك المركزية إلى الاحتفاظ بمبالغ احتياطية ضخمة من العملات الأجنبية. بالتالي يمكن استخدام الاحتياطات لتعزيز النمو الاقتصادي واستيراد السلع.
- يساعد سعر الصرف العائم في تجاوز مشكلة التضخم الاستيرادي الناجمة عن فوائض ميزان المدفوعات أو ارتفاع أسعار الواردات.
مخاطر سعر الصرف العائم
على الرغم من الفوائد الكثيرة لسعر الصرف العائم، إلا أنها تملك العديد من المخاطر أيضًا. ومن أهم هذه المخاطر:
- تخضع العملات المعومة إلى خطر تقلب أسعار الصرف بشكل سريع وغير متوقع. مما يؤثر على الشركات العاملة في مجال التجارة والاستثمار الدوليين ويدخل الشك في عملها.
- كما أن عدم وجود رقابة صارمة على أسعار صرف العملات يسبب قيودًا جديدة على نمو وانتعاش الاقتصاد.
- في حال انخفضت قيمة العملة بشكل كبير سيسبب ذلك مشاكل خطيرة مثل التصدير والاستيراد داخل بلدان معينة فقط.
- إن سعر الصرف العائم قد لا يساعد في حل المشاكل الاقتصادية المختلفة ضمن البلاد خاصةً في حال استمرار الانخفاض في قيمة العملة.
- كذلك يمكن أن يؤدي تقلب الأسعار الناتج عن تقويم العملة إلى تغير في أسعار الواردات، وهذا ما يؤثر على التضخم المحلي.
- تفقد الدولة القدرة على إدارة سعر الصرف كأداة سياسية معتمدة. بالتالي سيحد هذا من التأثير المباشر لأسعار الصرف على التجارة والقدرة التنافسية.
الدول العربية التي اعتمدت تعويم العملات
هناك العديد من الدول العربية التي اتخذت من أسلوب تعويم العملة وسيلة للتخلص من مشاكلها الاقتصادية. من هذه الدول نذكر ما يلي:
- مصر.
- اليمن.
- المغرب.
- العراق.
- السودان.
- لبنان.
في ختام مقالنا وبعد أن استفضنا بالشرح حول تعويم العملة وفوائدها ومخاطرها، لا بد من أن ننوه إلى أن الفئات الرابحة من عملية تعويم العملات هم من لديهم مدخرات سابقة من العملات الأجنبية، والمدينون إذ يمكنهم سداد ديونهم بأقل من قيمتها الحقيقية، والحكومة، والتجار الكبار مثل تجار الجملة والوكلاء والمصدرين. أما الخاسرون من عملية التعويم هم بعض المواطنين، والدائنين بعملات محلية، وأصحاب السلع التي لا يمكن رفع سعرها، والمستوردين، والموظفين أصحاب الدخل الثابت. وعليه إن فكرة تعويم العملات هي فكرة خطرة جدًا على الدول التي تملك اقتصاديات ضعيفة وذات ناتج محلي منخفض. ويجب البحث عن طرق أخرى للتخلص من المشاكل الاقتصادية العالقة في البلاد.